فهذا كله رجوع في التبدير، ولم يذكر فيه اختلاف أصحابنا، وجعل ذلك على القول الصحيح رجوعًا. وهذا نقله من كتاب المدبر من «الأم» بعينه فبطل بذلك ما قال أصحابنا: من بناء ذلك على القولين في كلتا المسألتين ولهذا احتج به المزني على الشافعي.
وقد نقل البويطي عنه والرجوع في المدبر لا يكون إلا بالبيع أو الهبة، أو تحويله إلى غير مله لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما باع، والبيع خروجه من ملكه وليس الرجوع بالكلام ثم قال بعده بمسائل، ولو قال الرجل لمدبره إذا أدى بعد موتي كذا وكذا فهو حر، فهو رجوع في التبدير واحتج المزني أيضا بأن قال: إذا كان التدبير وصية، فلم يرجع في الوصية لو جاز أن يخالف من هلك فيبطل الرجوع في المدبر ولا يبطل في الوصية لمعنى اختلفا فيه جاز عليه بذلك المعنى أن يبطل بيع المدبر ولا تبطل الوصية فيصير إلى قول من لا يبيع المدبر، ولو جاز أن يجمع بين المدبر وبين الأيمان في هذا الموضع لجاز إبطال عتق المدبر لمعنى الحنث لأن الأيمان لا يجب الحنث بها على الميت.
أراد المزني 25/ ب بهذا أن التدبير لو كان كالعتق المعلق بالصفة حتى لا يجوز الرجوع عنه بالقول لما عتق المدبر بصفة توجد بعد الموت إذ لا حنث على ميت.
ثم قال المزني: وقوله في «الجديد» و «القديم» بالرجوع فيه كالوصايا بعدل مستقيم لا يدخل عليه منه كسر بتعديل أي كسر يحتاج فيه إلى التعديل.
والجواب: أن التدبير وإن شاكل الوصايا في كونه من الثلث، فهو في نفسه تعليق عتق بصفة، وأجمعنا أن السيد لو علق عتق عبده بصفة لم يكن له الرجوع بالقول كذلك ههنا.
واعلم أن المزني توهم أن التدبير من باب الأيمان عند من لا يجوز الرجوع عنه بالقول، وأن العتق يحصل فيه بالحنث حتى قال: لو جاز أن يجمع بين التدبير والأيمان لجاز إبطال عتق المدبر إذ لا حنث على ميت. وقد غلط في هذا الوهم لأنا لا نلحقه بالأيمان وإنما نلحقه بعتق معلق بصفة على غير جهة اليمين وتعليق العتق بالصفة على ضربين، وكذلك تعلق الطلاق بالصفة أحدهما أن يعلق بصفة بمنع نفسه عن شيء أو للحنث أو للتصديق وهذا الثلاثة في أوصاف الأيمان إما المنع، فمثل أن يقول: إن دخلت الدار فأنت حر. وإما الحنث فمثل أن يقول: إن لم أدخل هذه الدار غدًا فأنت حر. وإما التصديق فمثل أن يقول: إن كنت دخلت هذه الدار بالأمس فأنت حر، فهذا كله ليس بتدبير من هذا القسم.
والضرب الثاني: أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فأنت حر فهذا تعليق عتق بصفة لا على معنى اليمين؛ إذ ليس فيه منع ولا حنث ولا تصديق، والتدبير يلحق بهذا الضرب؛ إذ ليس فيه 26/ أ منع، ولا حنث ولا تصديق اللهم إلا أن نجعل التصديق معلقًا بوصف، فيقول: إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فهو حينئذ حالف في قوله: إن