والثاني: أنه عذابان في الدنيا لعظم جرمهن بأذية رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال مقاتلا: حدان في الدنيا غير السرقة. وقال سعيد بن جبير: فجهل عذابهن ضعفين وعلى من قذفهن الحد ضعفين، ولم أر للشافعي نصا في أحد القولين غير أن الأشبه بظاهر كلامه إنما هو حدان في الدنيا. فإن قيل: في أمر مضاعفة الحد عليهن من تفضيلهن. قيل: لأنه لما كان حد العبد نصف حد الحر لنقصه عن كمال الحر وجب أن يكون مضاعفة الحد عليهن من تفضيلهن على غيرهن، ثم قال تعالى: {ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ ورَسُولِهِ} الأحزاب: (31) أي يطيع الله ورسوله والقنوت الطاعة ثم قال: {وتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} الأحزاب: (31) فضوعف لهن الأجر مرتين كما ضوعف عليهن العذاب ضعفين، فصار كلا الأمرين تفصيلا لهن وزيادة من كرامتهن, وفي {أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} قولان لأهل العلم:
أحدهما: أن كلا الأجرين في الآخرة.
والثاني: أن أحدهما في الدنيا والثاني في الآخرة. ويحتمل قوله: {وأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} تأويلين:
أحدهما: حلالا فقد كان رزقهن من أجل الأرزاق.
والثاني: واسعا فقد صار رزقهن بعد وفاته وفي أيام عمر من أوسع الأرزاق.
فرع:
وصار ما خص الله تعالى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في مناكحه، مما جاء فيه نص واتصل به نقل عشر خصال، تنقسم ثلاثة أقسام منها ثلاثة خصال تغليظ، وثلاث خصار تخفيف وأربع خصال كرامة. فأما الثلاث التغليظ فإحداهن: ما أوجبه عليه من تخيير نسائه.
والثانية: ما حظر عليه من طلاقهن.
والثالثة: ما منعه من الاستبدال بهن.
وأما الثلاث التخفيف: فإحداهن: ما أباحه له من النكاح من غير تقدير محصور.
والثانية: أن يملك النكاح بلفظ الهبة من غير بدل.
والثالثة: أنه إذا أعتق أمة على أن يتزوجها كان عتقها نكاحا عليها وصداقا لها, لأنه أعنق صفية بنت حيي على هذا الشرط فصارت بالعتق زوجة وصار العتق لها صداقا. فأما الأربع الكرامة:
فإحداهن: أنه فضل نسائه على نساء العالمين.
والثانية: أنه جعلهن أمهات المؤمنين.
والثالثة: حرمهن على جميع المسلمين.
والرابعة: ما ضاعف من ثوابهن وعقابهن.
فرع
وإذا قد مضى ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصاً به في مناكحه نصا. فقد اختلف