وإن لم يتقدم لهم ذكرًا إذًا دل الخطاب عليه كما قال: {إنَّ الإنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وإنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)} العاديات: 6 - 7 يعني الله تعالى: {وإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)} العاديات: 8 يعني الإنسان، وقال تعالى: {بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإذْنِ أَهْلِهِنَّ} النساء: 25، أي أوليائهن فجعل إذن الأولياء شرطًا في نكاحهن، فدل على بطلانه لعدمه.
ويدل على ذلك من السنة ما رواه ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وعائشة، وأنس، وعمران بن الحصين، وأبو موسى. وأثبتت الروايات رواية أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي".
وروى ابن عباس: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" فكان على عمومه في كل نكاح من صغيرة وكبيرة وشريفة ودنية وبكر وثيب.
فإن قالوا: نحن نقول بموجبه؛ لأن المرأة ولية نفسها، فإذا زوجت نفسها كانت نكاحها بولي. فعن ذلك جوابان: أنه خطاب لا يغير، لعلمنا أنه لا نكاح إلا بمنكوحة، ولا يتميز عن سائر العقود وقد خص النكاح به.
والثاني: أن قوله: "لا نكاح إلا بولي" يقتضي أن يكون الولي رجلًا، ولو كانت هي المراد
لقال: لا نكاح إلا بوليه، ويدل عليه ما رواه الشافعي عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، وإن سها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا- أو قال:- اختلفوا- فالسلطان ولي من لا ولي له" وهذا نص إبطال النكاح بغير ولي من غير تخصيص ولا تمييز واعترضوا على هذا الحديث بثلاث أسئلة:
أحدها: أن قالوا: مدار هذا الحديث على رواية الزهري وقد روي عن ابن علية عن ابن جريح أنه قال: لقيت الزهري فسألته عنه قال: لأ أعرفه وعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه قد رواه عن الزهري أربعة: سليمان بن موسى، ومحمد بن إسحاق، وجعفر بن ربيعة، والحجاج بن أرطأة. ورواه عن عروة ثلاثة: الزهري، وهشام بن عروة، وأبو الغصن ثابت بن قيس، فلم يصح إضافة إنكاره إلى الزهري مع العدد الذي رووه عنه، ولو صحّ إنكاره لما أثر فيه مع رواية غير الزهري له عن عروة.