وقيل: إنما بني قوله في "القديم" على أن باطن الجلد لا يطهر بالدباغ، وهذا ليس بشيء. وقال بعض أصحابنا بالعراق: قوله القديم أصح؛ لأن الدباغ لو أفاد الإباحة لم تصح فيما يوكل لحمه كالمزكاة. وقال القفال 33 ب/ 1: القولان في جميع الجلود ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل؛ لأنه طاهر لا حرمة له ولا يتضرر بأكله، وهذا أقيس. وذكره ابن كج رحمه الله تعالى.
مسألة: قال: "وَلاَ يَطْهَرُ بالدِّبَاغِ إِلاَّ الإِهَابُ وَحْدَه".
وهذا كما قال، أراد به: ولا يطهر من الميتة بالدباغ إلا الجلد والمشبعة التي فيها الولد إذا انفصلت من الحيوان يكون نجساً ولا يطهر بحال، فأما الصوف والشعر والريش والقرن والعظم قلا يطهر بحالٍ، وهو ظاهر المذهب. ذكره القاضي أبو حامد في جامعه، وقال الشيخ أبو حامد، وأبو إسحاق: فيها قولان: أحدها: أنها طاهرة كالخشب وهذا ليس بصحيح. وأما الصوف والشعر والريش، فالنص هاهنا، وهو رواية الربيع وحرملة والبويطي أن فيها حياة وتنجس بالموت ولا تطهر بحالٍ وهو ظاهر المذهب. وروى ربيع بن سليمان
الجيزي عن الشافعي أن الشعر تابع للجلد يطهر بطهارته وينجس بنجاسته، فإذا دبغ الجلد طهر تبع الشعر وهذا لا يصح؛ لأن الدباغ لا يؤثر في الشعر ولا يصلحه، بل يمزقه فلم يقر طهارته بللحم بخلاف الجلد. وروى إبراهيم البليدي عن المزني عن الشافعي أنه رجع من تنجيس شعر بني آدم فمن أصحابنا من قال: هذا لكرامة الآدميين، وحكمه مقصور على شعورهم، وهذا 34 أ/ 1 هو الصحيح. ومنهم من قال: هذا لأنه اعتقد أنه لا وقع في الشعر، فهو قول في جميع الشعور. فعلى هذا حصل أربعة أقوال:
أحدها: الكل طاهر إلا شعر الكلب والخنزير، ولا روح فيها وبه قال أبو حنيفة، والثوري، ومالك، وأحمد، وإسحاق، والمزني. وقال أبو حنيفة في شعر الكلب مثله، وفي شعر الخنزير روايتان عنه، وقال مثل هذا في العظم والسن والقرن وخالفه فيها مالك، وأحمد، وإسحاق والمزني ووجه هذا القول أنه لا يحسن ولا يألم.
والقول الثاني: فيه روح والكل نجس إلا ما يؤخذ من الحيوان المأكول ني حياته أو بعد ذكاته لا جزء من حيوان ينمو بحياته فينجس بنجاسة موته كسائر الأجزاء. وبه قال عطاء والحسن، والأوزاعي والليث بن سعد. وحكي عن حماد أن فيه روحاً وينجس لموته، ولكنه يطهر بالغسل. وروي نحوه عن الحسن، والأوزاعي، ومالك، والليث، ووافقونا في العظم أنه لا يطهر بحالٍ.
والثالث: الجلد على ماذكرنا، وبه قال مالك.
والرابع: أنه شعر بني آدم هو مخصوص بالطهارة للكرامة وما عداه نجس إلا ما ذكرناه. ومن أصحابنا من قال: تنجس بالموت ولا رفع فيه كاليد الشلاء لا روح فيها،