الإعفاف فاستقر فيه حكم ما بعد الكبر اعتبارا بحال الصغر. فأما الأب فوجوب إعفافه على الابن معتبر بوجوب نفقته عليه فإن كان الأب موسرا لم تجب عليه نفقته ولا إعفافه وان كان معسرا نظر فإن كان عاجزا عن الكسب بزمانه أو هرم وجبت نفقت وان كان قادرا عليه ففي وجوب نفقته قولان:
أحدهما: تجب اعتبارا بفقره.
والثاني: لا تجب اعتبارا بقدرته.
فإن لم تجب تفقة الأب لم يجب إعفافه وان وجبت نفقته فإن لم يكن به إلى الزوجة حاجة لضعف شهوته لم يجب على الابن تزويجه وان كان محتاجا إلى النكاح لقوة شهوته فغي وجوب إعفافه على الابن قولان:
أحدهما: نقله ابن خيران وتأوله غيره من كلام المزني هاهنا أنه لا يجب إعفافه وان وجبت نفقته وبه قال أبو حنيفة اعتبارا بأمرين:
أحدهما: بالابن في أن وجوب نفقته لا تقتضي وجوب إعفافه لو احتاج.
والثاني: بالأم في أن وجوب نفقتها لا تقتضي وجوب إعفافها لو احتاجت وان كان إعفافه معتبرا بالطرف الأدنى سقط بالابن وان كان معتبرا بالطرف الأعلى سقط بالأم.
والقول الثاني: نص عليه في "الدعوى والبينات" وهو اختيار جمهور أصحابنا أن إعفافه واجب لنفقته لعموم قوله تعالى: {وصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} لقمان: (15) وانكاحه من المعروف ولأنه لما وقيت نفس الأب بنفس الابن فلم يقتص من الأب بالابن فأولى إن توقى نفسه بمال الابن في وجوب إعفافه على الابن وبهذا المعنى فوقنا بينه وبين الأب في الإعفاف للافتراق بينهما في القصاص فأما الفرق بين الأب والأم في الإعفاف هو أن إعفاف الأب إلزام فوجب على الابن واعفاف الأم اكتساب فلم يجب على الابن.
فصل:
فإذا تقرر وجوب الأب على أمح القولين, فالكلام فيه يشتمل على ثلاثة فصول:
أحدها: فيمن يجب إعفافه من الآباء.
والثاني: فيمن يجب عليه الإعفاف من الأبناء.
والثالث: فيما يكون به الإعفاف.
فأما الفصل الأول: فيمن يجب إعفافه من الآباء فهو كل والد فيه بعضية وان علا وسواء كان ذا عصبة من قبل الأب كأبي الأب أو كان ذا رحم كأبي الأم وهما في وجوب النفقة والإعفاف سواء وهكذا أبو الأب وأبو الأم وهكذا أبو أم الأب وأبو أم الأم هما سواء في الزوج وسواء في وجوب النفقة والإعفاف، وهكذا لو اختلف درجهما فكان أحدهما أبا أب والأخر أبا أم وجبت نفقتها واعفافها إذا أمكن تحمل الولد لهما.
فأما إذا اجتمع وضاقت حال الابن عن نفقتهما واعفافهما وأمكنه القيام بأحدهما