وَأَقْتُلُهَا وَأَجْعَلُ مَالَهَا فَيْئًا. قَالَ: فَقَدْ أَوْجَدْتُكَ الحَرَامُ يُحَرِّمُ الحَلَالَ. قُلْتُ: أَمَّا فِي مِثْلِ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ أِمْرِ النِّسَاءِ فَلَا. قَالَ المُزَنيُّ رَحِمَهُ اللهُ: تَرَكْتُ ذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِشَيْءٍ".
قال في الحاوي: قد مضى الكلام في تحريم المصاهرة بعقد النكاح وفي تحريمها بوطء الإناء، كذلك الوطء بالشبهة يوجب من تحريم المصاهرة مثل ما يوجبه الوطء الحلال في عقد نكاح أو ملك يمين؛ لأنه لما ساواه في سقوط الحد ولحوق النسب ساواه في تحريم المصاهرة.
فأما وطء الزنا فلا يتعلق به تحريم المصاهرة بحال فإذا زنا الرجل بامرأة لم تحرم عليه مها ولا بنتها ولم يحرم على أبيه ولا على ابنه. وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس. ومن التابعين: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري. ومن الفقهاء: مالك وربيعة وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة: الزنا كالحلال في تحريم المصاهرة، فإذا زنا بامرأة حرمت عليها أمها وبنتها حرمت على أبيه وابنه. ولو زنا بامرأة أبيه أو ابنه بطل نكاحها.
وكذلك لو قبلها أو لمسها أو تعمد النظر إلى فرجها بشهوة بطل نكاحها على أبيه وابنه وحرم عليه أمها وبنتها وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق وحكى نحوه عن عمران بن الحصين وزاد الأوزاعي. فقال: إذ تلوط الرجل بغلام حرمت عليه أمه وبنته وحرم على الغلام مه وبنته. واستدلوا جميعًا بعموم قوله تعالى: {ولا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ} النساء: 22 والنكاح حقيقة في الوطء فاقتضى عموم الوطء وتحريم التي وطئها الأب.
قالوا: وقد روى عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وبنتها" فاقتضى إذا نظر إلى فرج امرأة في الزنا أن لا ينظر إلى فرج ابنتها في النكاح.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كشف خمار امرأة حرم عليه أمها وبنتها" فكان على عمومه في كشف الخمار لنكاح أو زنا قالوا: ولأنه وطء مقصود فوجب أن يتعلق به تحريم المصاهرة كالنكاح ولأنه تحريم يتعلق بالوطء المباح فوجب أن يتعلق بالوطء المحظور قياسًا على وطء الشبهة. ولأنه فعل يتعلق به التحريم فوجب أن يستوي حكم محظور ومباحة كالرضاع.
ودليلنا قوله تعالى: {وهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وصِهْرًا} الفرقان: 54. فجمع بين المائين الصهر، والنسب فلما انتفي عن الزنا حكم النسب انتفي عنه حكم