بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم وهم إذا حكم عليهم بالخيار بين أن يلتزموا حكمه وبين أن لا يلتزموه وإن جاء أحدهم مستعديًا لم يلزم المتعدى عليه أن يحضر ولا يلزم الحاكم أن يعديه عليه وإنما كان كذلك لقول الله تعالى: الحاكم أن يعديه عليه وإنما كان كذلك لقول الله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} المائدة: 42 الآية فخير الله تعالى في الحكم بينهم ولأن علينا أن نمنع عنهم أنفسنا وليس علينا أن نمنع عنهم غيرنا سواء كان التحاكم في حق الله تعالى أو في حق الآدميين؛ لأن حق الله تعالى في شركهم أعظم وقد أقروا عليه وسواء كانوا أهل كتاب أو غير أهل كتاب.
فصل:
وأما أهل الذمة إذا تحاكموا إلينا فليست الذمة المؤبدة إلا لأهل الكتاب، فإن لم يترافعوا إلينا في أحكامهم تركوا، وإن ترافعوا فيها إلينا فعلى ضربين:
أحدهما: أن يكونوا من أهل دين واحد ففي وجوب الحكم عليهم قولان:
أحدهما: وهو قوله في القديم أنه لا يجب والحاكم مخير في الحكم بينهم وهو إذا حكم عليهم مخيرون في التزام حكمه اعتبارًا بأهل العهد لعموم قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} المائدة: 42.
والقول الثاني: وهو قوله في الجديد واختاره المزني أن الحكم بينهم واجب، فيلزم الحاكم إذا ترافعوا إليه أن يحكم بينهم وعليهم إذا حكم أن يلتزموا حكمه، وإذا استعدى أحدهم على الآخر وجب أن يعديه الحاكم، وأن يخص المستعدى عليه فإن امتنع من الحضور أجبره وعزره. وإنما كان كذلك بقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ} المائدة: 49 وهذا أمر ولقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة: 29 قال أصحابنا: والصغار أن تجري عليهم أحكام الإسلام، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا، فلو لم يلزمهم حكمه لامتنعوا من إقامة الحد عليهم، ولأننا نجزيهم بالدفع عنهم منا ومن غيرنا مجرى المسلمين فوجب أن ندفع عنهم بالحكم بينهم في استيفاء الحقوق لهم كما نحكم بين المسلمين وبهذا نفرق بينهم وبين المعادين لا يلزمنا أن ندفع عنهم غيرنا فلم يلزمنا أن نحكم بينهم، ولا أن ندفع بعضهم عن بعض. فأما أبو حنيفة فلم يعمل بواحد من القولين على إطلاقه وقال: لا يحكم بينهم إلا أن يجتمعوا على الرضي بحكم الإمام، فحينئذٍ يلزم الحاكم أن يحكم بين المترافعين إليه ويلزمهم أن يلتزموا حكمه.
والثاني: أن يكون الحكم بين ذميين من دينين كيهودي ونصراني تحاكما إلينا، فقد اختلف أصحابنا فيهم، فكان أبو إسحاق المروزي يخرج وجوب الحكم بينهما على قولين لو كانا عن دين واحد؛ لأن الكفر كله ملة واحدة.
وقال غيره من أصحابنا: أن يحكم بينهما قولًا واحدًا.
والفرق بين أن يكون من دين واحد أو دينين أنهما إذا كانا من دين واحد فلم يحكم