فعلاه في الشرك عفو لا يتعقب بنقض كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} البقرة: 278 فجعل ما مضى عفوًا وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يجبّ ما كان قبله».
والثاني: أن يكون الصداق باقيًا لم يتقايضاه فلا يجوز أن يحكم بإقباضه سواء ترافعا وهما على الشرك أو قد أسلما ويحكم لها بمهر المثل دون القيمة لأن الخمر لا قيمة له وكذلك الخنزير وسائر المحرمات.
وقال أبو حنيفة: كان الصداق معينًا حكم لها به سواء أسلما لم لا وإن كان في الذمة فإن كانا على الشرك حكم لها بمثل الخمر وإن كانا قد أسلما حكم لها بقيمة الخمر بناء على أصله في غاصب الدار وفيها خمر إذا استهلكها وقد مضى الكلام معه.
والثالث: أن يتقابضا بعضه في الشرك ويبقى بعضه بعد الإسلام أو بعد الترافع إلى الحاكم فيبرأ الزوج من قدر ما أقبض في الشرك ويحكم لها من مهر المثل بقسط ما بقي منه وعند أبي حنيفة يحكم لها بقيمة ما بقي منه بناء على ما ذكرنا من أصله وما ذكرناه أولى لما قدمناه وإن كان كذلك لم يخل حال الصداق الحرام المقبوض بعضه من أحد أمرين:
إما أن يكون جنسًا أو أجناسًا فإن كان جنسًا واحدًا كأنه أصدقها عشرة أزقاق من خمر ثم ترافعا أو أسلما وقد أقبضها خمسة أزقاق وبقيت خمسة ففيها وجهان لأصحابنا:
أحدهما: أنه يراعى عدد الأزقاق دون كيلها فتكون الخمسة من العشرة نصفها وإن اختلف كيلها فيسقط عنه من المهر نصفه ويبقى عليه نصفه فيلزمه نصف مهر المثل وهذا قول أبي إسحاق المروزي.
والثاني: أنه يراعى كيلها دون عددها فينظر كيل الخمسة المقبوض من جملة كيل العشرة فإن كان ثلثها في الكيل ونصفها في العدد برئ من ثلث المهر ولزم ثلثا مهر المثل وهذا قول أبي علي بن أبي هريرة ولو كان قد أصدقها عشرة خنازير وأقبضها من العشرة ستة خنازير فعلى ما ذكرنا من الوجهين:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق- إنك تراعي العدد فتكون الستة من العشرة ثلاثة أخماسها، سواء اختلفت في الصغر أو الكبر، أو لم تختلف، فيبرأ من ثلاثة أخماس الصداق ويطالب بخمس مهر المثل.
والثاني: وهو قول أبي علي بن خيران أنك تراعيها في الصغر والكبر، وكان الكبير منها يعدل صغيرين، وقد قبضه في السنة كبيرين وأربعة صغارًا، فكانت الأربعة تعادل كبيرين فصارت الستة أربعة كبارًا، والأربعة من العشرة خمساها فيبرأ من خمس الصداق، وترجع عليه بثلاثة أخماس مهر المثل، وإن كان الصداق أجناسًا مختلفة كأنه أصدقها