والثاني: أنها محمولة على الاستمتاع بهن في النكاح وقول ابن مسعود إلى أجل مسمى يعني به المهر دون العقد.
وأما حديث سلمة بن الأكوع فالإباحة فيه منسوخة بما رويناه من التحريم الوارد بعده.
وأما تفرد عمر بالنهي عنها فما تفرد به وقد وافقه عليه الصحابة وإنما كان إمامًا فاختص بالإعلان والتأديب ولم يكن بالذي يقدم على تحريم بغير دليل ولكانوا قد أقدموا عليه يمسكون عنه ألا تراه يقول على المنبر: لا تغالوا في صدقات النساء فلو كانت تكرمة لكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاكم بها فقالت امرأة: أعطانا الله ويمنعنا ابن الخطاب فقال عمر: وأين أعطاكن فقالت: بقوله: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَاخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} النساء: 20 فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر حتى امرأة.
وروي أن عمر قال يومًا على المنبر: أيها الناس استمتعوا فقال سلمان: لا نسمع فقال عمر: ولم ذاك فقال سليمان: لأن الثياب لما قدمت من العراق وفرقتها علينا ثوبًا وأخذت ثوبين لنفسك فقال عمر: أما هذا فثوبي وأما الآخر فاستعرته من ابني ثم دعي ابنه عبد الله وقال: أين ثوبك؟ فقال: هو عليك, فقال سلمان: قل الآن ما شئت يا أمير المؤمنين فكيف يجوز مع اعتراضهم عليه في مثل هذه الأمور أن يمسكوا عنه في تحريم ما قد أحله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا ينكرونه لولا اعترافهم بصحته وبقائهم على تحريمه فإن قيل: فقد روي عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع أنهما قالا: سمعنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحل المتعة وسمعنا عمر ينهى عنها فتبعنا عمر قيل معناه: تبعنا عمر فيما رواه من التحريم لأنه روى لهم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أباح ثلاثًا ثم حرمها. فكيف يجوز لولا ما ذكرنا أن يضاف إلى جابر وأبي سلمة أنهما خالفا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتبعا عمر ولو تبعاه لما تبعه غيرهما من الصحابة.
وأما قياسهم على الإجازة فالمعنى فيهما: أنها لا تصح مؤبدة فصمت مؤقتة والنكاح لما صح مؤبدًا لم يصح مؤقتًا.
وأما الجواب عن استدلالهما بأنه قد ثبت إباحتها بالإجماع فلم يعدل إلى تحريمها إلا بالإجماع فمن وجهين:
أحدهما: أنه ما ثبت به إباحتها هو الذي ثبت به تحريمها فإنه كان دليلًا على الإباحة وجب أن يكون دليلًا في التحريم.
والثاني: أن الإباحة الثابتة بالإجماع هو إباحة مؤقتة تعقبها نسخ وهم يدعون إباحة مؤبدة لم يتعقبها نسخ فلم يكن فيما قالوه إجماع.