فقد (حكى) المزني عن الشافعي أنه قال في موضع: "إن الصداق صداق السر". وقال في موضع آخر: "إن الصداق صداق العلانية" فكان المزني وطائفة من أصحابنا يخرجون اختلاف نصه في الموضعين على اختلاف قولين:
أحدهما: أن الصداق صداق السر لتقدمه.
والثاني: وهو اختيار المزني أن الصداق صداق العلانية لتعلق الحكم بظاهره. وامتنع سائر أصحابنا من تخريج ذلك على قولين وجعلوه محمولًا على اختلاف حالين.
فالموضع الذي جعل الصداق فيه صداق السر دون العلانية إذا عقداه سرًا بولي وشاهدين ثم أعلناه تجملًا بالزيادة وإشاعة للعقد لأن النكاح هو الأول المعقود سرًا والثاني لا حكم له.
والموضوع الذي جعل الصداق فيه صداق العلانية إذا تواعدا سرًا وأتماه سرًا بغير ولي وشاهدين ثم عقداه علانية بولي وشاهدين لأن الأول موعد والثاني هو العقد فلزم ما تضمنه العقد دون الوعد. وهذا أصح من تخريج ذلك على قولين:
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَإِنْ عٌقِدَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ بِعِشْرِينَ يَوْم الخَمِيسِ ثُمَّ عُقِدَ عَلَيْهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِثَلَاثِينَ وَطَلَبَهُمَا مَعًا فَهُمَا لَهَا؛ لأَنَّهُمَا نِكَاحَان. قَالَ المُزَنًِّي رَحِمَهُ اللهُ: لِزَّوْجِ أَنْ يَقُولَ: كَانَ الفِرَاقُ فِي النَّكَاحِ الثَّانِي قَبْلَ الدُّخُول فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا مَهْرٌ وَنِصْفٌ فِي قِيَاشِ قَوْلِهِ".
قال في الحاوي: إذا ادعت المرأة على زوجها أنه نكحها يوم الخميس على صداق عشرين، وشهد لها شاهدان، وادعت عليه أنه نكحها يوم الجمعة على صداق ثلاثين، وشهد لها شاهدان، فلا فرق بين أن يكون شاهدا الأول هما شاهدا الثاني، أو يكون غيرهما ولا فرق بين أن يختلف الصداقان أو يتساويا فإننا نحكم بالشهادتين ويثبت بهما النكاحين ويلزم بهما الصداقين لأن لهما في الصحة وجهًا ممكنًا وهو أن يتزوجها في يوم الخميس ثم يخالعها بعد الدخول أو يطلقها قبله ثم يتزوجها يوم الجمعة.
فلو طالبته بالصداقين فادعى الزوج أنهما نكاح واحد أسراه في يوم الخميس بالشاهدين الأولين وأعلناه في يوم الجمعة بالشاهدين الآخرين فهذا محتمل. فإن كان عند الشاهدين من ذلك علم شهدا به عمل عليه وجعل ذلك نكاحًا واحدًا وحكم فيه بصداق واحد.
وإن لم يكن عند الشهود من ذلك علم وأنكرته الزوجة فالقول قولها مع يمينها لأن الظاهر معها ودفعنا ما احتمله قول الزوج بيمينها.