فاختلف أصحابنا في وجوبها على وجهين ومنهم من خرجه على قولين:
أحدهما: أنها واجبة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر الخلوق فقال له: "مهيم" أي ما الخبر- فقال: أعرست، فقال له: "أولمت" قال: لا قال: "أولم بشاة". وهذا أمر يدل على الوجوب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما أنكح قط إلا أولم في ضيق أو سعة وأولم على صفية في سفره بسويق وتمر، ولأن في الوليمة إعلان للنكاح فرقًا بينه وبين السفاح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف" ولأنه لما كانت إجابة الداعي إليها واجبة دل على أن فعل الوليمة واجب لأن وجو المسبب دليل على وجوب السبب ألا ترى أن وجوب قبول الإنذار دليل على وجوب الإنذار.
والثاني: وهو الأصح أنها غير واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس في المال حق سوى الزكاة" ولأنه طعام لحادث سرور فأشبه سائر الولائم، ولأن سبب هذه الوليمة عقد النكاح وهذا غير واجب ففرعه أولى أن يكون غير واجب.
ولأنها وجبت لتقدرت كالزكاة والكفارات ولكان لها بدل عند الإعسار كما يعدل المكفر في إعساره إلى الصيام فدل على عدم تقديرها وبدلها على سقوط وجوبها.
ولأنها لو وجبت لكان مأخوذًا بفعلها حيًا ومأخوذة من تركته ميتًا كسائر الحقوق، وكأن بعض أصحابنا يتوسط في وجوبها مذهبًا معلولًا ويقول: هي من فروض الكفايات إذا أظهرها الواحد في عشيرته أو قبيلته ظهورًا منتشرًا سقط فرضها عمن سواه وإلا خرجوا بتركها أجمعين وهذا فاسد من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن ما وجب من حقوق النكاح تعين كالولي والشاهدين.
والثاني: أن ما تعلق بحقوق الأموال الخاصة عم وجوبه كالزكوات أو عم استحبابه كالصدقات.
والثالث: أن فروض الكفاية مختص بما عم سنته كالجهاد أو ما تساوى فيه الناس كغسل الموتى وهذا خاص معين فلم يكن له في فروض الكفاية مدخل.
فصل:
فإذا تقرر ما وصفنا من وجوبها أو استحبابها انتقل الكلام إلى ما يلزم المدعو إليها من الإجابة فالظاهر من مذهب الشافعي أن الإجابة إليها واجبة قال بعض أصحابنا: إن الإجابة إليها مستحبة وليست بواجبة لأنها تقتضي أكل الطعام وتملك مال ولا يلزم أحد أن يتملك مالًا بغير اختياره ولأن الزكوات مع وجوبها على الأعيان لا يلزم المدفوعة إليه أن يتملكها فكان غيرها أولى.