وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقسم بين نسائه ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك" يعني قلبه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض طيف به على نسائه محمولاً فلما ثقل أشفقن عليه فحللنه من القسم ليقم عند عائشة رضي الله عنها لميله إليها فتوفي عندها صلى الله عليه وسلم فلذلك قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وفي يومي ولم أظلم فيه أحداً فدل هذا على وجوب القسم وتغليظ حكمه.
فصل:
فإذا ثبت وجوب القسم فلوجوبه شرطان:
أحدهما: أن يكون له زوجتان فأكثر ليصح وجوب التسوية بينهما بالقسم فإن كان له زوجة واحدة فلا قسم عليه وهو بالخيار بين أن يقيم معها فهو أولى به لأنه أحصن لها وأغض لطرفها وبين أن يعتزلها فلا مطالبة لها.
والثاني: أن يريا المقام عند إحداهما فيلزمه بذلك أن يقيم عند الأخرى مثل ما أقام عندها تسوية بينهما فيلزمه حينئذٍ القسم بينهما فأما إن اعتزلهما سقط القسم بينهما لأنه قد سوى بينهما في الاعتزال كما سوى بينهما في القسم لهما فلم يجز الميل إلى إحداهما (0) والله أعلم.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: " تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَهَبَتْ سَوْدَةَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ رضي الله عنهن. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وبهذا نقول".
قال في الحاوي: اعلم أن القسم من حقوق الآدميين يجب بالمطالبة ويسقط بالعفو ولا يجوز المعارضة على تركه كالشفعة ويجوز هبته لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات عن تسع زوجات وكان يقسم لثمان منهن لأن سودة بنت زمعة أراد طلاقها لعلو منها واستثقال القسم لها فلما علمت ذلك أتته فقالت: يا وسول الله قد أحببت أن أحشر في جملة نسائك فامسكني فقد وهبت يومي منك لعائشة. رضي الله عنها تريد بذلك التقرب إليه لعلمها بشدة ميله إلى عائشة رضي الله عنها- فصار يقسم لعائشة رضي الله عنها يومين ويوم سودة ويقسم لغيرها من نسائه يوماً يوماً.
قال ابن عباس فنزل عليه في ذلك قوله تعالى: "فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ" النساء: 128 فدل هذا الخبر على وجوب القسم ودل على جواز هبته.