اقترن به العوض كان صحيحًا، ولو تجرد عن العوض كان كناية، فاختلف حكمه بالقرينة، كذلك سائر الكنايات، ولأنه لما كان جزاء الشرط مقصورًا عليه، وجب أنيكون الحكم عن سبب محمولاً عليه.
قال: ولأنه لفظ من ألفاظ الطلاق، ورد على طلب الطلاق، فوجب أن يكون طلاقًا كالفراق والسراح.
ودليلنا ما روي: "أن ركانه بن عبد يزيد طلق امرأته سهميه ألبنة، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: طلقت امرأتي البتة، فقال له: ما أردت بها، فقال والله ما أردت إلا واحدة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الله إنك ما أردت إلا واحدة؟ فقال: والله ما أردت إلا واحدة".
فرجع فيه إلى إرادته، ولو اختلف حكمه بالسبب، أو عند الغضب والطلب، لسأله عنه ولبينه له. ولأن الأحكام لا تختلف بالغضب والرضي كسائر الأحكام، ولأن الكناية أحد نوعي الطلاق فلم تختلف الرضي والغضب كالصريح، ولأنها كناية لم تقترن بنية الطلاق، فلم يكن طلاقًا كالرضي وعدم الطلب.
فأما الاستدلال: بأن دلالة الحالي تصرف الكلام عن حقيقته وموضوعه، فقد قال الشافعي: إن الأسباب متقدمة والإيمان بعدها محدثة، وقد يخرج على مالها وعلى خلافها، فأخذته لمخرج يمينه، فإذا كان لفظه عامًا، لم اعتبر بخصوص السبب. وإذا كان لفظه خاصًا لم اعتبر بعموم السبب ويرجع عن نية الطلاق في حال الغضب وفي استشهاده كلام مضى، ني موضعه يمنع به من صحة الاستشهاد.
وأما قياسهم على الفراق والسريع فلأنها صريحان في الرضي والغضب ك"الطلاق".
وأما الشرط والجزاء مخالف للحكم والسبب لأمرين:
أحدهما: اتصال للشرط وانفصال السبب.
والثاني: أن الشرط منطوق به فلم يدخله احتمال، والسبب غير منطوق به، فدخله الاحتمال والله أعلم.
مسألة: قال الشافعي: " فإن قال قد فارقتك سائرًا إلى المسجد أو سرحتك إلى أهلك أو قد طلقتك من وثاقك أو ما أشبة هذا لم يكن طلاقًا فإن قيل قد يكون هذا طلاقًا تقدم فأتبعه كلامًا يخرج به من قبل قد يقول: لا إله إلا الله فيكون مؤمنًا يبين آخر الكلام عن أوله ولو أفرد "لا إله" كان كفرًا".
قال الماوردي: وهذا صحيح، إذا قيد بصريح الطلاق بما يغلب حكم الصريح، مثل أن يقول: قد طلقتك من وثاقك وفارقتك إلى المسجد، وسرحتك إلى أهلك، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يقول ذلك فاصلًا بين قوله: طلقتك، وبين قوله من وثاقك، فقد استقر