والثاني: أن يقترن بها نية.
والثالث: أن عام تتجرد عن لفظ ونية، فإن قارنها لفظ، وقع الطلاق، لأن اللفظ لو تجرد عن الكتابة وقع به الطلاق، فإذا انضم إلى الكتابة فأولى أن يقع به، وإن قارنها نية الطلاق، ففي وقوع الطلاق بها قولان، إن قيل: كناية وقع الطلاق، وإن قيل: ليست كناية لم يقع، وإن تجردت الكتابة عن قول ونية لم يقع بها الطلاق، لأنه يحتمل أن يكون كتب حاكيًا عن غيره، أو مجربًا لخطه، أو مرهبًا لزوجنه، فإذا تقرر ما وصفنا، فصورة هذه المسألة أن يكتب إلى زوجته إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق، إما مع لفظ اقترن به فكان طلاقًا قولًا واحدًا وإما مع نية اقترنت بخطه، فكان طلاقًا في أصح القولين، وعليه تفرع جميع هذه المسائل. فهو طلاق معلق بصفة، وهو مجيء الكتاب إليها، فإن لم يجئها الكتاب لم تطلق فإن تأخر لهلاكه فقد بطلت صفة طلاقها، فهو غير منتظر سواء كان هلاكه بسبب منها أو من غيره، وإن تأخر مع بقائه فالصفة باقية، وتعليق الطرق بها منتظر لمجيء الكتاب إليها، لم يخل حاله من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون سليمًا، فالطلاق واقع سواء قرأته أو لم تقرأه، لأنه علق طلاقها بمجيئه لا بقراءته، ولو كان كتب إذا جاءك كتاب وقرأتيه لم تطلق لمجيئه حتى تقرأه، فإن قرأ عليها لم تطلق، إن كانت تحسن القراءة، وطلقت إن كانت لا تحسنها اعتبارًا بالعرف.
والقسم الثاني: أن يصل الكتاب ممحو الكتابة، فلا طلاق، لأن الكتاب هو المكتوب وما لا كتابة فيه فهو كأخذ وليس بكتاب، سواء كان هو الماحي له أو غيره، ولكن لو تطلست كتابته ولم يمح نظر فإن كان مفهوم القراءة طلقت، وإن كان غير مفهوم لم تطلق.
والقسم الثالث: أن يصل الكتاب وقد ذهب بعضه، فإن كان الذاهب منه موضع طلاقها لم تطلق، لأن مقصوده لم يصل، وإن كان موضع طلاقها باقيًا والذاهب من غيره، فقد اختلف أصحابنا في وقوع طلاقها بها على أربعة أوجه:
أحدها: لا تطلق سواء كان الذاهب منه مكتوبة أو غير مكتوب، لأن الواصل منه بعضه.
والوجه الثاني: أنها تطلق، سواء كان الذاهب مكتوبة أو غير مكتوب، لأن المقصود منه هو لفظ الطلاق واصل.
والثالث: إن كان الذاهب من المكتوب لم تطلق، لأن بعض الكتاب وإن كان الذاهب من غير المكتوب طلقت، لأن المكتوب هو جمع الكتاب.
والوجه الرابع: إن وصل أكثره طلقت، وإن وصل أقله لم تطلق اعتبارًا بالأغلب.
مسألة: قال الشافعي " فإن كتب أما بعد فأنت طالق من حين كتب".
قال الماوردي: وهذا صحيح إذا اقترن بكتابته نية الطلاق فيقع الطلاق بالأصح من قوليه، الذي تفرع عليه، لأنه كتب طلاقًا ناجزًا، ولم يعلقه بوصول الكتاب إليها،