قال الماوردي: وهذا صحيح، إذا قال لها: طلّقي نفسك ثلاثًا، فطلقت نفسها واحدة، طلقت واحدة، وقال مالك إذا قال طلّقي نفسك ثلاثًا، فطلقت واحدة لا يقع شيء وإذا قال: طلّقي واحدة فطلقت ثلاثًا، وقعت الثلاث، وعنه لا تطلق استدلالًا بأن قبولها بعض ما ملكها موجب لفساد القبول، وبطلان التمليك كما لو باعها عبدين بمائة فقبلت أحدهما لم يصح.
ودليلنا هو: أن من ملك إيقاع الطلاق الثلاث ملك إيقاع الطلقة الواحدة كالزوج.
وأما استدلاله بتبعيض القبول في البيع فإنما لم يصح، لأن البذل إنما كان في مقابلة ثمن لم يحصل له بالتبعيض، فلذلك لم يصح قبول البعض، ولولا الثمن لصح، ألا ترى لو وهب لها عبدين، فقبلت إحداهما صح، فكذلك الطلاق.
فصل
فإذا جعل إليها أن تطلق نفسها واحدة، فطلقت نفسها ثلاثًا، طلقت واحدة. وقال أبو حنيفة: لا تطلق، لأن ما عدلت إليه غير مأذون به، فلم يجز.
ودليلنا هو: أنه إذا اجتمع في طلاقها مأذون فيه وغير مأذون فيه، لم يمنع غير المأذون فيه من وقوع المأذون فيه، ما لو جعل إليها طلاق نفسها، فطلقت نفسها وضرائرها، وادعى فيه أن الواحدة لا تتميز عن الثلاث، غير صحيح لأن المأذون فيه متميز عن غير المأذون فيه وربما حكي هذا للقول عن أبي حنيفة ولأول عن مالك.
مسألة: قال الشافعي: "وقال فيه وسواء قالت طلقتك أو طلقت نفسي إذا أرادت طلاقًا
قال الماوردي: وهذا كما قال إذا جعل إليها طلاق نفسها، فإن قالت قد طلقت نفسي، طلقت وكان هذا صريحًا لا يفتقر إلى نيتها.
وإن قالت: قد طلقتك كانت كناية يقع به الطلاق إذا نوته، وقال أبو حنيفة: لا يقع به الطلاق وإن نوته، وقد مضى الكلام في هذه المسألة.
مسألة: قال الشافعي: "ولو طلق بلسانه واستثني بقلبه لزمه الطلاق ولم يكن الاستثناء إلا بلسانه".
قال الماوردي: اعلم أن الاستثناء في الطلاق على ثلاثة أضرب:
أحدها: ما يصح مضمرًا ومظهرًا.
والثاني: ما لا يصح مضمرًا، ولا مظهرًا.
والثالث: ما يصح مظهرًا ولا يصح مضمرًا.
فأما ما يصح إظهاره وإضماره فهو ما جاز أن يكون صفة للطلاق، أو أمكن أن يكون حالًا للمطلقة، فالذي يجوز أن يكون صفة للطلاق مثل قوله: أنت طالق من