فصل
ولو قال: أنت عليّ حرام طالق، ولا نية له طلقت، ولم تلزمه الكفارة، وصار ما تعقب التحريم من الطلاق تفسيرًا له، ولو قال: أنت عليّ حرام وأنت طالق، لم يصر الطلاق تفسيرًا لاستئنافه بلفظ مبتدأ، ولزمته الكفارة في التحريم، على أحد القولين.
ولو قال: أنت عليّ حرام كظهر أمي، ولا نية له، كان مظاهرًا ولم تلزمه بالتحريم كفارة، لأنه قد نفسر إطلاقه، بقوله: كظهر أمي، فيكون ظهارًا، ولا يكون طلاقًا.
والثاني: أن يريد، الطلاق بقوله: أنت عليّ حرام، فيكون مطلقًا مظاهرًا.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: "فَأَمَّا مَا لَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ مِثْلُ قَوْلِهِ بَارَكَ اللهُ فِيكِ أَو اسْقِينِي أَوْ أَطْعمِينِي أَوْ ارْوِينِي أَوْ زَوِّدِينِي وَمَا أَشبهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَإِنْ نَوَاهُ وَلَوْ أَجَزْتُ النِّيَّةَ بِمَا لَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ أَجَزْتُ أَنْ يُطَلِّقُ فِي نَفْسِهِ".
قال الماوردي: قد ذكرنا أن الألفاظ في الطلاق تنقسم ثلاثة أقسام: صريح وقد مضى، وكناية وقد تقدم، وما ليس بصريح ولا كناية، وهو هذا، كقوله: أطعميني أو اسقيني أو زوديني وما أحسن عشرتك وما أظهر أخلاقك، وما جرى مجرى هذه الألفاظ التي توضع للفرقة ولا تتضمن معنى البعد، فلا يقع بها الطلاق، سواء نواه أو لم ينوه، لأن الطلاق لوقوع بما لا يتضمن معنى الفرقة، لوقع بمجرد النية، وقد رددنا على مالك في إيقاعه الطلاق بمجرد النية، في إحدى الروايتين عنه، وهو قول محمد بن سيرين.
فأما إذا قال لها: اطعمي أو اشربي، كان كناية يقع به الطلاق، إذا نواه.
وقال أبو إسحاق المروزي: لا يكون كناية، كما قال اطعميني واسقيني، وهذا فاسد لأن قوله اطعمي واشربي، يتضمن معنى البعد، لأن معناه اطعمي مالَكِ واشْرَبي شرابك وهي تفعل ذلك في الأغلب، إذا خلت من زوج، وقوله: اطعميني واسقيني، إذنًا لها وتقريب، فجرى هذا مجرى قوله اقري، وليس بكناية وجرى ذلك مجرى قوله اذهبي، وهي كناية، ولو قال: تجرعي وتفصصي، كان كناية، وافق عليه أبو إسحاق، ولو قال: جرعيني وغصصيني كان فيه لأصحابنا وجهان:
أحدهما: لا يكون كناية، كما لو قال: اطعميني واسقيني.
والثاني: يكون كناية، لأن معناه جرعني فرقاك، وغصصتيني لبعادك، ولو قال لها: بارك الله فيك، لا يكون كناية، ولو قال: بارك الله لك، كان كناية، والفرق بينهما ما ذكرناه.
فصل
وأما إذا قال لها: أنت الطلاق، فقد اختلف أصحابنا، هل يكون صريحًا، لأن