إذا قال: أنت طالق واحدة قبلها نص الشافعي رضي الله عنه على أنه يقع طلقتين ولا خلاف فيه واختلف أصحابنا في كيفية وقوعها, فقال أبو إسحاق: قوله: أنت طالق طلقة إيقاع في الحال لطلقة وقوله: قبلها طلقة إخبارٌ عن طلقة قبلها وليس بإيقاع لأن الطلاق في الحال في وقت مضى بحال, وقال ابن أبي هريرة: كل واحدة منهما إيقاع فيقع طلقة عقيب طلقة وهذا لا يصح 29/ ب لأن الشافعي فرّع على هذا في "الأم" فقال: إن قال: أردت بقولي قبلها طلقة طلاقًا كنت طلقتها قبل هذا فإن علم ذلك قبل منه وإلا لا يقبل منه في الحكم, ويدين فيما بينه وبين الله تعالى فدل على بطلان ما قاله ابن أبي هريرة, ومن أصحابنا من حكي خلاف هذا عن أبي إسحاق وابن أبي هريرة, فقال: قال أبو إسحاق تقع هذه الواحدة التي تجعلها قبل التي أوقعها على موجب لفظه اعتبارًا بموجب اللفظ ويكون وقوعها بعد لفظه وقبل التي أوقعها بلفظه فيجعل تأخر الطلاق مؤخرًا ليتقدمه طلاق الصفة حتى لا يكون وقوعه سابقًا للفظه, وقال ابن أبي هريرة يقع مع التي أوقع ولا يقع قبلها لئلا يكون وقوع الطلاق سابقًا للفظ الطلاق, كما لو قال: أنت طالق أمس, وقع في اليوم لهذا المعنى وهذا أصح ولا يصح ما قاله أبو إسحاق لأن ناجز الطلاق يقع بنفس اللفظ لا بتعقبه, لأنه لو قال لها: أنت طالق ومات مع آخر كلامه من غير فصل طلقت, ولو كان يقع بعده لم تطلق فعلى قول أبي إسحاق تقع الطلقتان عليها بعد لفظه بزمانين ليقع كل واحدة من الطلقتين في كل واحد من الزمانين وعلى قول ابن أبي هريرة تقع الطلقتان بنفس اللفظ من غير زمان يعتبر بعده واختار القاضي الطبري: أنه يترتب في فيقع طلقةً بعد طلقة ويصير كأنه قال: قال: أنت طالق طلقة بعد ساعة فكأنه أوقعها متأخرة وطلقة قبلها في الحال وهذا أظهر.
فرع
لو قال: أنت طالق طلقةً بعدها طلقة يقع طلقتان وتكون واحدةً بعد واحدةٍ على موجب لفظه بلا خلاف إلا على قول أبي إسحاق تقع الأولى بعد قوله أنت طالق طلقة, وتقع الثانية بعد قوله: بعدها طلقة وعلى قول ابن أبي هريرة: تقع الأولى مع قوله: أنت طالق 30/ أ وتقع الثانية بعد قوله: بعدها طلقة.
فرع آخر
قال في "الأم": فإن قال في هذه المسألة: أردت بقولي: بعدها طلقة سأوقعها عليك بلفظ جديد قبل فيما بينه وبين الله تعالى دون الحكم لأنه خلاف الظاهر, وقال في"الحاوي": إن صدقته قبل منه ظاهرًا وباطنًا, وإن كذبه لم يقبل ظاهرًا على ما ذكرنا, وكذلك لو قال: أنت طالق قبل طلقة أو بعد طلقة وقعت طلقتان أيضًا.