والثاني: أنها ليست بيمين في المواضع كلها إلا أن يريد بها يمينًا، فتصير بالإرادة يمينًا لخروجها عن عرف الاستعمال والتباسها على أكثر الناس، والأيمان مختصة بما كان في العرف مستعملاً، وعند عامة الناس مشتهرًا، فهذا وجه:
والثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي: أنها تكون يمينًا في خواص الناس الذين يعرفون أن التاء من حروف القسم ولا تكون في العامة الذين لا يعرفون ذلك إلا بالإرادة والنية، كما أن العربي إذا حلف بالأعجمية تكون يمينًا إذا عرفها، ولا تكون يمينًا إ&ن لم يعرفها، وكذا الأعجمي إذا حلف بالعربية.
والثالث: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنها تكون يمينًا في التغليظ عليه، ولا تكون يمينًا في التخفيف عنه، فلا يجعلها يمينًا في القسامة؛ لأنه يثبت بها لنفسه حقًا، ويجعلها يمينًا في الإيلاء؛ لأنه يثبت بها على نفسه حقًا.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيًُّ - قَالَ المُزَنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: "فَإِنْ قَالَ لأَفْعَلَنّ فَهَذَا ابْتِدَاءُ كَلاَمٍ لاَ يَمِينٌ إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ بِهَا".
قال في الحاوي: إذا حذف من اسم الله حرف القسم، فقال: الله لأفعلن كذا، لم يكن يمينًا؛ لأنه يحذف حروف القسم الموضوعة لليمين يصير ابتداء كلام، واستفتاح خطاب يخرج عن عرف الأيمان في الاستعمال والشرع.
فإن قيل: فقد ورد به عرف الشرع، فقد اختلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد حين طلق امرأته البتة، وذكر أنه أراد واحدة فقال: "الله إنك أردت واحدة"؟ فقال: الله إني أردت واحدة، وأحلف ابن مسعود حين أخبره أنه قتل أبا جهل، فقال" "الله إنك قتلته"، فقال: الله إني قتلته. فالجواب عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد اليمين بإحلافهما والنية عندنا في الأيمان نية المستحلف دون الحالف، ولو كان الحالف نوى اليمين، وأرادها مع حذف حرف القسم كان يمينًا لما ذكرناه من إحلاف ركانة وابن مسعود، فتصير غير يمين في حالتين إذا لم يرد وإذا أطلق، ويمينًا في حالة واحدة إذا أراد.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيًُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "فَإِنْ قَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ فَإِنْ نَوَى اليمِينَ فَهَيَ يَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يَنْو يَمِينًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ لأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَشْهَدُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ يَنْوِيهِ يَمِينًا لَمْ يَكُنْ يَمِينًا".
قال في الحاوي: وهو كما قال: وحكي عن أبي حنيفة أنه إذا قال: أشهد بالله، أو قال: أشهد أنها يمين لما اقترن بها من عرف الشرع في قوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ