ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فقد استثنى" وروى طاوس عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف على يمين فقال: إن شاء الله لم يحنث" فكان على عمومه في كل يمين، ولأنه لما جاز تعليق جميع الأيمان من عتق، وطلاق، وغيره بالشروط والصفات، كان تعليقها بمشيئة الله تعالى أولى، ومشيئة الله غير معلومة فيها، فلم تنعقد، كما لو قال: والله لا دخلت الدار إن شاء زيد، أو قال لزوجته أنت طالق إن شاء عمرو، أو قال لعبده: أنت حر إن شاء بكر، ولم تعلم مشيئتهم حتى ماتوا سقطت أحكام هذه كلها لعدم العلم بها.
فإن قيل: فإن الله تعالى يشاء العتق؟
قيل: قد يجوز إن يشاءه في الحال، ويجوز أن لا يشاءه وقد يجوز أن يشاء الطلاق؟ لأنه قد أباحه، والمباح داخل في مشيئته.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَالوَصْلُ أَنْ يَكْونَ الكَلًامُ نَسَقًا وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَةُ سَكْتَةٌ كَسَكْتَةِ الرَّجُلِ لِلَّذَكُّرِ أَوْ العِيَّ أَوْ التَّنَفُّسِ أَوِ انْقِطَاعِ الصَّوْتِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ وَالقَطْعُ أَنْ يَاخُذَ فِي كَلَامٍ لَيْسَ مِنَ اليَمِينِ مِنْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ يَسْكُتَ السُّكُوتَ الَّذِي يُبَيَّنُ أَنَّهُ قَطَعَ".
قال في الحاوي: قد ذكرنا أن الاستثناء في الأيمان كلها مانع من انعقادها، وهو جائز وليس بواجب، وذهب بعض أهل الظاهر على وجوب الاستثناء بمشيئة الله تعالى، احتجاجًا بقول الله تعالى {ولا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} الكهف: 23 - 24.
والدليل على أنه مخير في الاستثناء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استثنى في يمينه تارة، ولم يستثن فيها أخرى، فقال: "والله لأغزون قريشًا إن شاء الله"، وإلى من نسائه شهرًا، ولم يستثن.
وروى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يحلف بهذه اليمين لا ومقلب القلوب". روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اجتهد في اليمين قال: "والذي نفس أبي القاسم بيده".
ولأن الاستثناء سبب يتوصل به إلى حل اليمين فلم يجب كالحنث.
فأما الآية فواردة على طريق الإرشاد والتأديب، أن لا يعزم على أمر إلا أن يقرنه