الخمسةً لم يجز، وإن جعل إطعام الخمسةً بقيمةُ كوة الخمسةً أجزأه فأجاز إخراج قيمةَ الكسوةً طعامًا ولم يجز إخراج قيمةَ الطعام كسوةُ فلم يستمر في جواز القيمةً على أصله، ولا في المنع منها على أصلنا، والدليل على أن الله تعالى خير المكفر بين ثلاثةً، من طعام أو كسوةً أو عتق، فلم يجز أن يجعل له خيارًا رابعًا في التبعيض، ولأنه لما امتنع في الكفارةً تبعيض العتق والصيام امتنع فيها تبعيض الكسوةً والإطعام.
مسألة:
قال الشافعي:" وَلَوْ كَانَتْ عَلَيه كَفَّارَةً ثَلاثَةً أَيمانَ مُخْتَلِفَةٍ فَأَعْتَقَ وَأَطْعَمَ وَكُسًا يَنْوِي الْكَفَّارَةُ، وَلَا يَنْوِي عَنْ أَيُّهَا الْعتقَ وَلَا الإطعام وَلَا الْكُسْوَةَ أَجْزَأُهُ، وَأَيُّهَا شَاءَ أَنْ يُكَوِّنَ عَتَّقَاً أَوْ طعامَاً أَوْ كُسْوَةَ كَانَ، وَإِنَّ لَمْ يُشَا، فَالنِّيَّةَ الأولى تُجَزِّئُهُ. "
قال في الحاوي: وهو كما قال إذا كانت عليه ثلاث كفارات عن ثلاث أيمان مختلفةً كنا في التكفير عنها بالخيار بين أن يكفر عنها من جنس واحد فيطعم عن جميعها ويكسو عن جميعها، أو يعتق عن جميعها، وبين أن يكفر عنها من أجناس مختلفةً فيطعم عن أحدها، ويكسو عن أحدها ويعتق عن أحدها، لأن لكل كفارةً حكم نفسها، وسواء عينها أو أطلقها؛ لأن عليه النيةَ في الكفارةً وليس عليه أن يعين عن أي كفارةً كالوضوء يلزمه أن ينوي أنه عن الحدث، ولا يلزمه عن أي حدث.
وقال أبو حنيفة: يلزمه تعيين النيةَ عن أي كفارةً كما يلزمه تعيين النيةَ للصلاةً من ظهر أو عصر، فيقال له: لما لم يلزمه في قضاء الصلوات, الفوائت أن يعين عن أي يوم لم يلزمه في الكفارات أن يعين عن أي حنث، فلا يكون في إثباته التعيين في الأداء بأولى من نفيه للتعيين في القضاء، فاستويا ثم ترجح ما ذكرنا باتفاقنا على أنه لو نسي صلاةً لم يعرفها بعينها لم يجزه في قضائها أن ينوي قضاء ما وجب عليه، لعدم التعيين، ولو كانت عليه كفارةً لا يعرف موجبها أجزأه أن ينوي بالتكفير ما وجب عليه فعلم أن تعين النيةً في الصلاةً واجب، وتعيينها في الكفارةً غير واجب فأما الفرق بين الطهارةً والصلاةَ في تعيين النيةً في الصلاةَ دون الطهارةً مع اشتراكهما في وجوب النيةَ فمن وجهين:
أحدهما: ما حكاه أبو القاصم الأنماطي عن المزني قال: قلت للمزني: لم افتقرت الصلاة إلى تعين النيةَ ولم تفتقر الطهارةً إلى تعيين النية؟ فقال: لأن الصلاةً تراد لغيرها، والطاهرةً تراد لغيرها وهذا صحيح؛ وهكذا الكفارةً تراد لغيرها، وهو تكفير الحنث، فلذلك لم يلزم فيها تعين النيةَ.
والثاني: قاله أبو علي بن أبي هريرةً أن الطهارةَ بسبب متقدم، وهو ما سبق من الحدث فلم يلزم تعيين النيةً له، والصلاةً لأمر مستقبل فجاز آن يلزم تعيين النية فيها،