مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَلَوْ صَامَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ لأَنَّ الأَبْدَانَ تُعُبّدَتْ بِعَمَل فَلاَ يُجْزئُ أَنْ يَعْمَلَهُ غَيْرُهَا إِلاَّ الحَجِ وَالعُمْرّة للِخَبَرِ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِأَنَّ فِيهِمَا نَفَقَةٌ وَلأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتعالى إِنَّمَا فَرَضَهُمَا عَلَى مَنْ وَجَدَ السَّبِيلَ إِلَيْهِمَا وَالسَّبِيلُ بِالمَالِ ".
قال في الحاوي: أما الصيام عن الحي فلا يجوز إجماعًا بأمر أو غير أمر، عن قادر أو عاجز، للظاهر من قول الله تعالى: {وأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى (39)} النجم: 39 ولأن ما تمحض من عبادات الأبدان لا تصح فيها النيابة، كالصلاة، وخالف الحج، لأنه لما تعلق وجوبه بالمال لم يتمحض على الأبدان، فصحت فيه النيابة كالزكاة.
فأما الصيام عن الميت، فقد وقفه الشافعي في القديم على صحة الخبر المروي فيه أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم نذر كان على أمها؟ فماتت قبل صيامه، فأجاز لها أن تصوم عنها.
وقد حكي أبو علي بن أبي هريرة عن أبي بكر النيسابوري أن الخبر قد صح فصار مذهبه في القديم جواز الصيام عن الميت وهو المذهب مالك وأحمد، وقد روى عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه "؛ ولأنها عيادة يدخل في جبرانها المال فصحت فيها النيابة كالحج طردًا والصلاة عكسًا ودخول المال في جبرانها من وجهين:
أحدهما: جبران الصيام في الوطء بالكفارة.
والثاني: فجز الشيخ الهرم عن الصيام وانتقاله إلى إخراج مد عن كل يوم، وقال في الجديد: إن النيابة في الصيام لا تجوز بحال عن حي ولا ميت، وهو مذهب أبي حنيفة وأكثر الفقاء؛ لرواية عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام أطعم عنه وليه "ولأنها عبادة على البدن لا يتعلق وجوبها بالمال، فلا تصح فيها النيابة كالصلاة طردًا، والحج عكسًا، فأما الخبر فمعلول وإن صح كان محتملاً أن يريد بالصيام عن الميت الصدقة عن كل يوم بمد.
فصل:
فأما الصلاة عن الميت فقد حكي عن عطاء بن أبي رباح وإسحاق بن راهويه في جوازه، وهو قول شاذ تفردا به عن الجماعة استدلالاً بأمرين:
أحدهما: أنه لما جازت النيابة في ركعتي الطواف إجماعًا جازت في غيرها من الصلوات قياسًا