والثاني: أن التكفير لذنب متقدم، فاعتبر بحال الوجوب لقربه من سببه.
والثاني: أن المعتبر بالكفارة حال الأداء دون الوجوب نص عليه الشافعي في كتاب الظهار فإذا حنث وهو موسر فلم يكفر حتى عسر كان فرض التكفير بالصيام، ولو حنث وهو معسر فلم يكفر حتى أيسر كان فرضه التكفير بالمال، ووجه هذا القول في اعتبار الكفارة بحال الأداء شيئان:
أحدهما: إلحاقها بالطهارة، لأن كل واحدة منها ذات بدل فلما اعتبرت الطهارة بحال الأداء فكذلك الكفارة.
والثاني: أنها مواساة فاعتبرت بأقرب الأحوال من مواساته.
والثالث: وهو مخرج أن المعتبر بالكفارة أغلظ الأمرين من حال الوجوب أو حال الأداء، لأنها تكفير عن ذنب، فكانت بالتغليظ أخص، وقد استوفينا هذه المسألة فيما تقدم بفروعها.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَمَنْ لَهُ أَنْ يَاخُذُ مِنَ الكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلا يُعْتِقَ فِإنْ فَعَلَ أَجْزَأًهُ ".
قال في الحاوي: أعلم أن مصرف الكفارات في الفقراء والمساكين خاصة، ومصرف الزكاة في الفقراء والمساكين، وفي بقية اهل السهمان الثمانية فاشترك الفقراء والمساكين في الكفارات والزكوات، واختصت الزكاة ببقية الأصناف دون الكفارات هذا الكلام في مصرفها.
فأما وجوبها، فكل من وجبت عليه الزكاة وجب عليه التكفير بالمال، وقد يجب التكفير بالمال على من لا تجب عليه الزكاة إذا ملك أقل من نصاب، وقد يجب التكفير بالمال على من يحل له الزكاة والكفارة، وهو من وجدها فاضلة عن قوته وقوت عياله، ولا يصير بفضلها غنيًا، فيجب عليه التكفير بالمال دون الصيام، ولوجودها في ملكه فاضلة عن كفاية وقته، ويحل له أن يأخذ من الزكوات والكفارات لدخوله في حكم الفقر والمسكنة بعدم الكفاية المستديمة، وقد يسقط التكفير بالمال، وبعدل عنه إلى الصيام من يحرم عليه أخذ الزكاة والكفارة، وهو الجلد المكتسب قدر كفايته في كل يوم من غير زيادة يكفر بالصيام دون المال لعدمه في ملكه، وتحرم عليه الكفارة والزكاة، لاستغنائه عنها بمكسبه.
فإن قيل: فإذا كان الأمر على هذا التفصيل فلم قال الشافعي: ومن له أن يأخذ من الكفارة والزكاة فله أن يصوم؟ وقد قلتم فيما فضلتم: إنه قد يجوز أن يأخذ من الزكاة