وهذا كما قال: أراد إذا استوي قاعدًا بعد السجدتين والجلسة أنه يرفع من السجدة الثانية مكبرّا فيستوي جالسًا، ثم ينهض. وهذه رواية المزني. وقيل: يستحب أن يكون بقدر الجلسة بين السجدتين، ولا يزيد عليها.
وقال في (الأم): يقوم من السجدة الثانية، ولم يأمر بالجلوس. وقال فيه أيضًا: إذا أراد القيام من السجدة الثانية كبرّ مع رفع رأسه حتى يكون انقضاؤه مع استوائه جالسًا، فلم يستحب الجلوس من السجدة الثانية إلا للشّهد. فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: المزني ثقة فتضم روايته إلى ما قاله في (الأم) ففي المسألة قولان. وعلى هذا القول في الصلاةَ أربع جلسات، وتسمى هذه الجلسة، جلسة الاستراحة، وهي مستحبُة غير واجبة.
ومن أصحابنا من قال: هو اختيار أبى إسحق، هذا على اختلاف حالين، فإن كان كبيرًا ضعيفًا جلس للاستراحة كما 88 ب/2 نقل المزني، ومن كان شابًا قويًا لا يجلس كما قال في (الأم).
وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحق: لا يستحب هذا الجلوس أصلًا، واحتجوا بما روى وائل بن حجر رضي الله عنه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان إذا رفع رأسه من السجوٌد استوي قائمًا بتكبيره). وهذا غلط لما روى أبو حميد الساعدي في صفة صلاةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الجلوس.
وهذه الرواية في عشرة من الصحابة، فكانت أولى. وروي أن مالك بن الحويرث رضي الله عنه حكي صلاةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: (فلما قام من السجدة الثانية من الركعٍة الأولى جلس ثم نهض معتمدًا على يديه). فإذا تقرر هذا.
قال أبو إسحاق: إذا جلس قضى تكبيرة مع جلوسه، ثم نهض إلى القيام من غير تكبير، لأن التكبير للرفع من السجوٌد دون الذهاب إلى القيام، ولا يجوز أن يبتدئ للقيام بالتكبير، لأنه يؤدي إلى الموالاة بين التكبيرتين، ويخالف إذا قام إلى الثالثة من التشهد حيث يكبرّ، لأنه لا يؤدي إلى الموالاة بين الكبيرتين لأنه تخلل التشهد بينهما.
وكذلك بين السجدتين تخّلل الدعاء المأمور فيه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال هذا القائل وقال بعض أصحابنا: المذهب أنه يكبرّ رافعًا من السجوٌد وينهيه مع انتهاء الانتصاب لئلا ينفّك بعض هذا الفصل عن الذكر، وما ذكره أبو إسحق ليس بشيء، وهذا أصح عندي، لأنه أشبه بأفعال الصلاةَ، فإنه لم يشرع فيها فعل يخلو عن ذكر، وهذه الجلسة لا تكون من الأولى ولا من الثانية، بل هي فصُل للجلوس كالتشهد الأول، فلا بدّ فيها من الذكر، ولكنه يطّول التكبيرات، ولا يطول الجلوس، ويأتي بهذا بأسهل ما يمكن وما قاله أبو إسحق: اختيار القاضي الطبري.