والثاني: لا يحنث بالاستدامة، لأنه لم يستحدث فعلًا.
والثالث: أنه إن كان أثر طيبه باقيًا، حنث، وإن بقيت الرائحة دون الأثر لم يحنث، وهى طريقة أبي الغياض اعتبارًا ببقاء العين، وزوالها ولو حلف لا يسافر، حنث بأن يستأنف السفر طويلًا، كان أو قصيرً فأما إذا حلف وهو مسافر، فله ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يأخذ في العود من سفره، فلا يحنث، لأنه قد أخذ في ترك السفر.
والثانية: أن يكون باقيًا على وجهه في السفر، فيحنث باستدامة مسيره، لأن أخذ في السفر.
والثالثة: أن يقيم مكانه من سفره، ففي حنثه باستدامته وجهان:
أحدها: يحنث كالتوجه لبقائه على السفر.
والثاني: لا يحنث لكفه عن السير، فصار كالعود.
وكل ما لم نسمه فهو معتبر بما سميناه من هذه الأقسام، فيكون ملحقًا بأشبهها به والله أعلم.
مسألة:
قَالَ الشّافِعِيُّ:" وَإِنَّ حِلْفً لَا سَيُكَنُّ بَيْتًا وَهُوَ بِدَوى أَوْ قروي وَعَلَا نِيَّةً لَهُ فَأَيُّ بَيْتٍ مِنْ شِعْرٍ أَوْ أَدَمً أَوْ خَيْمَةً أَوْ بَيْتٌ مِنْ حَجَّارَةٍ أَوْ مُدِرًّ أَوْ مَا وَقْعٌ عَلَيه اِسْمُ بَيْتِ سَكَنِهِ حِنْثٍ".
قال في الحاوي: أعلم أن بيوت السكني تختلف من وجهين:
أحدها: باختلاف الأحوال.
والثاني: باختلاف العادات.
فأما المختلف باختلاف الأحوال فللبوادي بيوت النقلة من الأدم، والشعر، لأنهم ينتجعون في طلب الكلأ، فيسكنون من البيوت ما ينتقل معهم في النجعة من الخيام، والفساطيط، ولأهل القرى بيوت الاستقرار فيسكنون ما يدوم ثبوته في أوطانهم من الأبنية المستقرة، وأما ما يختلف باختلاف العادات، فهو أن بيوت أهل الأمصار لتشيدها، وقسمة مساكنها، مخالفة لبيوت أهل القرى في ذهابها، واحتلال قسمها وتختلف العادات، فمنهم من يبني بالأحجار والنورة، ومنهم من يبنى بالآجر والجص، ومنهم يبني بالبن والطين، ومنهم من يبني بالخشب، ومنهم من يبني بالقصب، واختلاف العادات، لا تؤثر في الأيمان وجميعا بيوت لمن اعتادها، ومن لم يعتدها، فإذا حلف لا يسكن بيتًا، حنث بسكنى كل بيت منها، وإن لم يعتد سكناه من حجر أو أجر أو طين أو خشب، أو قصب، محكم يدوم على مر السنين، ولا يحنث أن يسكن بيوت الرعاة من