الفَصْل
وهذا كما قال إذا فرغ من الركعٍة الثانية رفع مكبرا واستوي جالسًا للتشهد الأول، وهذا الجلوس والتشهد في
مسنوٌنان معًا. وبه قال عمر بن عبد العزيز والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وجماعُة.
وقال الليث وأحمد وإسحق وأبو ثور وداود: هما واجبان، فإن تركهما عمدًا بطلت صلاته، وإن كان ناسيًا سجد للسهو، وهذا غلٌط لما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قام الإمام من الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائمًا فليجلس، وإن استوي قائمًا فلا يجلس ويسجد للسهو).
وروى عبد ابن بحينة، قال: (قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اثنتين من الظهر- أو العصر- فسبحوا له، فلم يرجع ومضى في صلاته، فلما كان في آخر صلاته، وانتظر الناس تسليمه سجد سجدتي السهو قبل التسليم)، ولأنه لو كان واجبًا لم يسقط بالسهو كالتشهد الثاني، فإذا ثبت ما ذكرنا فصفة الجلوس ههنا الافتراش، والجلسات المشروعة في الصلاةَ أربع، ويستحب في كلها الافتراش إلا في التشهد الأخير، فإنه يستحب فيه التورك.
وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وصفة الافتراش قد ذكرناه. وأما صفة التورك يجعل رجليه معاً ويخرجهما من تحت وركه اليسرى إلى أليمنى ويفضي بمقعدته إلى الأرض ويفرش اليسرى وينصب قدمه أليمنى ويضع بطون أصابعهما على الأرض، ويستقبل بأطرافهما القبلة.
وقال أبو حنيفة والثوري: يجلس في جميعهما مفترشاً. وقال مالك: (يجلس في جميعهما متوركاً. واحتّج أبو حنيفة بما روى أنس بن مالٍك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: (إذا جلست 90 أ/2 فاجعل عقبك تحت إليتيك).
واحتّج مالك بما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان يجلس في وسط صلاته، وفى آخرها متوركاً)، وهذا غلُط لما روينا من خبر أبى حميد الساعدي في الجلستين نحو مذهبنا. وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان يجلس بين الركعتين كأنه على الرضف). والّرضف: الحجارة المحماة. واحدتها: رضفة. وهذا يدّل على أنه كان يخالف بينهما في الجلوس، ولأن خبرنا متأخر يحتمل أن ذلك نسخ، أو في