فصل
فأما يمين المكره فلا تنعقد قولًا واحدًا.
وقال أبو حنيفة: تنعقد كالمختار، وقد مضى الكلام معه في كتاب الطلاق. ودليله في الأيمان ما روي أن اليمان والد حذيفة حلفه المشركون أن لا يغير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: "أوف بعهدك" فسوى بين يمين المكره والمختار ولأنها يمين مكلف فانعقدت كالمختار.
ودليلنا رواية مكحول عن واثلة بن الأسقع وعن أبي أمامة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس على مقهور يمين"، ولأن ما منع ثبوت الكفر من انعقاد اليمين كالجنون، وأما يمين اليمان بها مختارًا، لأنه كان مشركًا.
وأما قياسهم على المختار فلا يصح الجمع بينهما كما لا يصح الجمع بينهما في الكفر.
فصل
فإذا تقرر ما ذكرنا في هذه المقدمة فصورة مسألتنا هذه أن يحلف ليأكلن هذا الطعام غدًا أو ليركبن هذه الدابة غدًا، أو ليلبس هذا الثوب غدًا، فلا يخلو حاله في ذلك من أربعة أقسام:
أحدها: أن يفعل ذلك في وقته.
والثاني: أن يقدمه على وقته.
والثالث: أن يؤخره عن وقته.
والرابع: أن يفوته فعله في وقته.
فأما القسم الأول: وهو أن يفعل ذلك في وقته، وهو أن يأكل الطعام في غده ويركب الدابة ويلبس فيه الثوب، فقد بر في يمينه إذا جعل ذلك ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس، لأن الغد هو يوم يستوعب ما بين طلوع فجره وغروب شمسه وليس ما قبل طلوع الفجر بعد غروب الشمس من الغد ولا هما وقت البر.
وأما القسم الثاني: وهو أن يقدم فعل ذلك قبل وقته فهو أن يأكل الطعام في يومه ويركب فيه الدابة، ويلبس فيه الثوب، فلا يبر بذلك عند الشافعي ويحنث بالاقتصار على فعله فيه.
وقال مالك أبو حنيفة: يبر ولا يحنث، لأن مقصود يمينه أن لا يؤخذ فعل ذلك عن غده وهو في القديم غير مؤخر له فبر فيه.
ودليلنا هو أن البر مفيد بزمان فوجب أن يكون شرطًا فيه كالمقيد بالمكان ولأنه لما كان تقديم المكان كتأخيره وجب أن يكون تقديم الزمان كتأخيره، وإذا لم يبر بفعل ذلك في يومه فإن كان طعامًا قد أكله حنث، إذا لا سبيل له أن يأكله في غده إلا أن حنثه لا