أحدهما: أن الإثبات إباحة، والنفي حظر، والحظر أغلب من الإباحة.
والثاني: أن الأيمان موضوعة على التغليظ، والتغليظ في النفي أن يحنث بأحدهما، وفي الإثبات أن لا يبر إلا بهما، وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أن فعل بعض الشيء لا يقوم مقام فعل جميعه في النفي والإثبات معًا وفاقًا وشرعًا، لأنه لو حلف لا يدخل هذه الدار، فأدخل رأسه أو إحدى رجليه لم يحنث.
ولو حلف ليدخلنها، فأدخل رأسه أو إحدى رجليه لم يبر وهذا وفاق قد ورد به الشرع، قد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في مساجده فأدخل رأسه منه إلى حجرة عائشة رضوان الله عليها لتغسله، ولم يؤثر في اعتكافه.
وقال لبعض أصحابه، وهو في المسجد الحرام: لقد أنزلت على آية لم تنزل على أحد قبلي إلا على أخي سليمان، قال: يا رسول الله، أي آية هي؟ قال: لا أخرج من المسجد حتى أعلمك فتوجه للخروج، وقدم إحدى رجليه فأخرجها ثم قال للرجل: بم تستفتح صلاتك قال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال: "هي هي".
فدل على أن إخراج إحدى رجليه لا يكون خروجًا، وإذا كان بعض الفعل لا يقوم مقام جميع الفعل، فأحد الفعلين أولى أن لا يقوم مقام الفعلين.
والثاني: أنه لما استوي الفعلان في شرط البر وجب أن يستويا في شرط الحنث، لتردد اليمين بين بر وحنث؟ وفرقاه بينهما منتقض بفعل بعض الشيء حيث لم يقم مقام جميعه في الإثبات والنفي معًا مع وجود الحظر والإباحة فيهما.
مسألة:
قال الشافعي: "ولو قال: والله لا أشرب ماء هذه الإداوة أو ما هذا النهر لم يحنث حتى يشرب ماء الإداوة كله ولا سبيل له إلى شرب ماء النهر كله ولو قال من ماء هذه الإداوة أو من ماء هذا النهر حنث إن شرب شيئًًا من ذلك".
قال في الحاوي: أما إذا حلف لا شربت من ماء هذه الإداوة، ولا شربت من ماء هذا النهر، فاليمين معقودة على بعض ماء الإداوة وبعض ماء النهر، لدخول حرف التبعيض عليها، وهو قوله: فأي قدر شرب من ماء الإداوة وماء النهر حنث من قليل وكثير، وكذا في الإثبات لو حلف ليشربن من ماء الإداوة أو من ماء النهر، فأي قدر شرب منهما من قليل أو كثير بر في يمينه ارتوى به أو لم يرتو.
فأما إذا حذف من يمينه حرف التبعيض فأطلقها، فقال: والله لأشربن ماء هذه الإداوة لم يحنث بشرب بعضه، وإن حنثه مالك، لأن الحقيقة في إطلاق اليمين توجب