فلما حنث بالجمع وجب أن يبر بالتمكين، لأن كل واحد منهما قد تضمنته اليمين، وخالف ما استشهد به من يمينه على كلامها لزيد، لأن كلامها لغيره لم يدخل في يمينه من منع ولا تمكين، فلم يتعلق به بر ولا حنث.
والثاني: أن البر والحنث يتعلقان في الأيمان بشيء واحد، فإن كانت على إثبات كقوله: والله لأدخلن الدار، كان بره بدخولها، وحنثه بأن لا يدخلها. وإن كانت على نفي كقوله: والله لا دخلت الدار كان بره بأن لا يدخلها وحنثه بأن يدخلها.
فلما كان حنثه في قوله: إن خرجت إلا بإذني، فأنت طالق، يكون بخروجها بغير إذنه وجب أن يكون بره بخروجها بإذنه، فتثبت بهذين المعنيين فساد هذه الطريقة.
والثانية: لهم أن يسلموا وقوع البر بالخروج بإذن، كما أن وقوع الحنث بالخروج بغير إذن، ويستدلوا على وجوب تكرار البر، وإن لم يتكرر الحنث بأمرين:
أحدهما: إنما انعقد الإجماع عليه في قوله لزوجته: إن خرجت من الدار إلا راكبة فأنت طالق، أن البر يتكرر، ويلزمها أن تخرج في كل مرة راكبة، وإن خرجت مرة غير راكبة حنث وسقطت اليمين، وإن خرجت مرة راكبة بر ولم تخل اليمين، ولزمها الخروج بعد هذا البر راكبة أبدًا، كذلك ما اختلفنا فيه من قوله: إن خرجت إلا بإذن، فأنت طالق، فخرجت مرة بإذنه، لم تخل اليمين، ولزمها أن تخرج كل مرة بإذنه. ولو خرجت مرة بغير إذنه حنث، وسقطت اليمين، فيكون الإجماع في اشتراط الركوب دليلاً على الخلاف في اشتراط الإذن، إذ ليس بين الشرطين فرق في الحكم.
والثاني: أنه لما كان البر يترك الخروج مؤبدًا، والحنث بالخروج من غير إذن مقيدًا وجب أن يكون البر بالخروج بالإذن متكررًا، وإن لم يكن الحنث بالخروج بغير إذن متكررًا.
والدليل على فساد هذه الطريقة من وجهين:
أحدهما: لما كان عقد اليمين بلفظ الغاية يوجب استواء البر والحنث في سقوط التكرار، وكان عقدها بقوله: "كلما" يوجب استواء البر والحنث في وجوب التكرار، وجب أن يكون عقدها بما اختلفا فيه من قوله: إن خرجت إلا بإذني، ملحقًا بأحدهما في استواء البر والحنث في وجوب التكرار وسقوطه، فلما سقط التكرار في الحنث وجب أن يسقط التكرار في البر.
وتحريره قياسًا: أن كل يمين اشتملت على منع وتمكين وجب أن يكون البر فيها مقابلاً للحنث في وجوب التكرار وسقوطه كالمعقود بلفظ الغاية في سقوط التكرار، وكالمعقودة ب "كلما" في وجوب التكرار.
والثاني: أن البر والحنث في الأيمان معتبران بالعقد، فإن أوجب تكرار المنع والتمكين أوجب تكرار البر والحنث، وإن لم يوجب تكرارهما لم يتكرر البر والحنث. ولفظ التكرار معدوم في قوله: إن خرجت إلا بإذني، فانعقد على مرة، وموجود في قوله: