خصمين لتستقر ولايته بالنظر، ويتواطأ الخصوم في الحكم، وليعلم الناس قدر صنعته في عمله.
قال: ثم أمرين يعتمدهما الخصوم في نظره: أحدهما: أن يجعل مجلس نظره من بُعٍد معروف بالمكان مخصوصاً بالنظر والأحكام حتى لا يسألوا عنه أن يخفى عليهم ولا يعدلوا عنه إن نظر في غير أحكامهم.
والثاني: أن يكون زمان نظره معيناً عليه من الأيام ليتأهبوا فيه إلى التحاكم إليه، فإن كثرت المحاكمات لزمه النظر في كل يوم، ويكون وقت نظره من اليوم معروفاً ليكون باقيه مخصوصاً بالنظر في أمور المسلمين لراحته ودعته، فإن قلت المحاكمات جعل يوم نظره في الأسبوع مخصوصاً بحسب الحاجة في يوم أو يومين أو ثلاثةٍ بقدر الحاجة حتى يستعد الناس للتحاكم فيه.
ويختار أن يكون أيام نظره من الأسبوع يوم السبت ويوم الاثنين ويوم الخميس، ولو تجدد في غير يوم النظر مالا يمكن تأخيره نظر فيه ولم يؤخره.
فرع آخر
إذا تصدى للحكم بعد استقرار ولايته وانقياد الناس لطاعته يبعث في الحال إلى الحاكم المعرف أن يدفع إليه ديوان الحكم، وهو حجج الخصوم من المحاضر والسجلات وكتب الوقف؛ لأن الحكام يستظهرون في حفظ الحقوق على أربابها بحفظ حججهم ووثائقهم في نسختين، فيسلم إلى المحكوم له إحداهما وتكون الأخرى في ديوانه يرجع إليها إذا احتاج ليكون على ثقةٍ مما في يده، وكان القاضي السابق 71/ب أحق بإمساكها؛ لأن له نظراً وولاية، والآن قد زال ذلك، وصار النظر للثاني.
فرع آخر
إذا تسلمها واتسع له الزمان تصفحها وعمل بموجب ما تضمنها إذا دعت الحاجة إليه، ولا يحكم بما فيها إلا إذا شهد به شاهدان، ولا يحكم بخط القاضي قبله لاشتباه الخطوط وإمكان الخطوط وإمكان التزوير عليها.
فرع آخر
يجب على الإمام أن بسير أحوال البلاد في القضاء ويكشف عن أحوال القضاة فيها، فإذا علم أن في البلد قاضياً مستحقاً للنظر سقط عنه فرضه، وإذا علم أنه لا قاضي فيه، أو فيه من لا يستحق النظر وجب عليه أن يقلد فيه قاضياً، وكان ذلك عليه فرضاً متعيناً، وإن كان في البلد من يصلح للقضاء كان تقليده لمعرفته به وبأهله أولى من تقليد الغريب.
فرع آخر
لو قلد غير متعين فقال: من نظر من أهل البصرة في قضائها فهو مقلد من جهتي لم يجز؛ لأنه لا يجوز أن ينظر من ليس بأهله، ولو قال: من علمائه لم يجز أيضاً؛ لأن المقلد منهم مجهول.