ومشروفٍ، ويراعي الوقار فلا يبدأ أحدًا بكلامٍ أو سلامٍ أو إكرامٍ.
وحكي أن المهدي أمير المؤمنين تقدم مع خصوم له إلى مجلس عبيد الله العنبري قاضي البصرة، فلما رآه القاضي مقبلًا أطرق إلى الأرض حتى جلس مع خصومه مجلس المتحاكمين، فلما انفضت الخصومة قام القاضي فوقف بين يديه، فقال المهدي: والله لو قمت حين دخلت عليك لعزلتك، ولو لم تقم حين انقضى الحكم لعزلتك. وهذا لأن قيامه قبل الحكم ميل، وترك قيامه له بعد الحكم تركًا لحق الإمام، فيكون العزل الأول مستحقًا والعزل الثاني أدبًا.
فرع آخر
ينبغي أن يبعد مجالس الخصوم منه ليكون أبلغ في الهيبة، وأيضًا لا يسبق إليه تهمة أن يشير إلى أحدهما بخلاف الحق، ويكون البساط الذي يجلس عليه متميزًا عن بساط الخصوم حتى يكون أهيب له.
فرع آخر
ينبغي أن لا يحضر مجلسه مع الخصوم إلا من له بالحكم تعلقٌ، 85/ أ فإننا نستحب ألا يخلو مجلس الحكم من شهودٍ وفقهاءٍ، أما الشهود فليشهدوا بما جرى فيه، وأما الفقهاء للمشاورة على ما ذكرنا. ويمنع أن يحضر مع الخصم من ليس بوكيل له في المخاصمة.
فرع آخر
قال بعض أصحابنا: يستحب أن يسوي بينهما في مقعدهما والنظر إليهما وكلامه لهما، ولا يخص أحدهما بترتيب ولا نظرٍ ولا كلامٍ، وليكن جلوس الخصوم بين يديه جثيًا على الركب، ليتميز عن جلوس غيرهم فيكون أهيب. وينبغي أن يكون كلام الخصوم مقصورًا على الدعوى والجواب، وكلام القاضي مقصورًا على المسألة والحكم.
وقال في "الحاوي": ينبغي أن يميز مجلس الحكم من غيره من خمسة أوجهٍ:
أحدها: فضل وقار القاضي، فلا يبدأ بكلامٍ أو سلامٍ، ويطرق رأسه على ما ذكرنا.
والثاني: أن يبعد مجلس الخصوم عنه.
والثالث: ألا يحضر مع الخصوم إلا من له تعلق بالحكم.
والرابع: أن يسوى بينهما على ما ذكرنا.
والخامس: أن يكون كلامهم مقصورًا على الدعوى والجواب كما ذكرنا.
فرع آخر
إذا أراد القاضي أن ينظر في الأمور عند جلوسه للقضاء، فأول ما يبدأ بالنظر فيه أمر