الشافعي - رضي الله عنه - وقول جمهور أصحابه. وذهب ابن سريج وأبو حامد إلى أن حكم ما عدا الإثبات موقوف على الدليل لما تضمنه من الاحتمال، وهذا فاسد لما ذكرنا من التعليل.
وإذا انتفى حكم الإثبات عما عداه على ما بيناه فقد اختلف أصحابنا في موجب نفيه عنه على وجهين؛ أحدهما: أنه أوجب لسان العرب لغة. والثاني: أنه أوجب دليل الخطاب شرعًا.
وأما القسم الثاني في النفي إذا تجرد عن إثبات فهو على ضربين:
أحدهما: أن يكون جوابًا لسؤال فلا يكون النفي موجبًا لإثبات ما عداه، كقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا تحرم الرضعة أو الرضعتان" لا يدل على التحريم بالثالثة.
والضرب الثاني: أن يبتدئ الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" فدل على قبولها بالطهور، ويكون نفي الحكم عن تلك الصفة موجبًا لإثباته عند عدمها، وهو الظاهر من مذهب الشافعي رضي الله عنه.
ويحتمل قول من جعل ما عدا الإثبات موقوفًا، وإذا كان حكم النفي مطلقًا يحتمل نفي الجواز ونفي الكمال لعمومه، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بطهور"، فكان هذا النفي مانعًا 101/ب من أجزائها.
فإن قام دليل على نفي الكمال حمل عليه، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد". ويجيء على مذهب من قال بوقف المحتمل بجعل هذا موقوفًا لأنه محتمل.
وأما القسم الثالث: الجامع للإثبات والنفي يشتمل على ثلاثة أنواع؛ الاستثناء، والشرط، والغاية.
فأما الاستثناء فالمعتبر في ثبوت حكمه ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يرجع إلى أصل يبقى منه بعد الاستثناء بعضه وإن قل، فإن رفع جميعه لم يصح؛ لأنه يصير نسخًا، ويثبت حكم الأصل ويبطل الاستثناء.
والثاني: أن يكون الاستثناء من جنس الأصل ليصح به خروج بعضه، فإن عاد إلى غير جنسه صح عند الشافعي في المعنى دون اللفظ، وأبطله قوم في اللفظ والمعنى، وأجازه قوم في اللفظ والمعنى. مثاله أن يقول: لفلان عليَّ ألف درهم إلا دينار، فلا يجعل لفظ الدينار مستثنى من لفظ الدراهم؛ لأنه لا يجانسها، وإنما تجعل قيمته مستثناة من الدراهم؛ لأنه لا ينافيها فصار الاستثناء في المعنى دون اللفظ.
والثالث: أن يعلق على الاستثناء ضد حكم الأصل، فإن كان الأصل إثباتًا صار الاستثناء نفيًا، وإن كان الأصل نفيًا صار الاستئناء إثباتًا. فإن عاد الاستثناء إلى جمل مذكورة تقدمته يمكن أن يعود إلى جميعها، ويمكن أن يعود إلى بعضها، فعند الشافعي