والثالث: أن لا يعارضهما من المعاني والعلل ما هو أقوى منهما، فإن الأقوى أحق بالحكم من القياس، وما أدى إلى إبطال الأقوى فهو الباطل بالأقوى.
والرابع: أن يطرد المعنى والعلة فيوجد الحكم بوجودهما فيسلما من نقص أو كسر. فإن عارضهما نقص أو كسر فعدم الحكم مع وجودهما فسد المعنى وبطلت العلة؛ لأن فساد العلة يدفعها وفساد المعنى لا يدفعه؛ لأن المعنى لازم والعلة طارئة؛ لأن الكيل إذا بطل أ، يكون علة الربا في البر لم يبطل أن يكون الكيل باقياً في البر، فيصير التعليل باطلاً والمعنى باقياً.
ولا يجوز تخصيص المعاني والعلل المستنبطة لتسلم من النقص المعترض أو يكون دخول النقص عليهما بارتفاع الحكم مع وجودهما دليلاً على فسادهما. فأما العلل المنصوص عليها فقد اختلف أصحابنا في جواز تخصيصها على وجهين:
أحدهما: لا يجوز تخصيصها اعتباراً بالعلل المستنبطة.
والثاني: يجوز تخصيصها؛ لأنها لفظ منطوق به، فجرت مجرى تخصيص العموم كما علل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنع من بيع الرطب بالتمر بأنه ينقص 136/ب إذا يبس. وحكي عن أبي حنيفة أنه جوز تخصيص العلل المستنبطة من النصوص عليها، ولم يفسدها بمعارضة النقض لخروجها منها بالتخصيص، بدليل أنه لما جاز تخصيص العموم كان تخصيص العلل أولى؛ لأنها قد تستنبط من عموم مخصوص هي له فرع وهو لها أصل، وهذا لا يصح من وجهين:
أحدهما: أنه لما كان سلامة الطرد معتبراًُ في العلل العقلية وجب أن يكون معتبراً في العلل الشرعية؛ لأن أحكام الشرع لا تخرج عن قضية العقل.
والثاني: أن تكون العلة إذا عارضها نقص لم يكن التعليل بالمنتقض أولى بالتعليل من الناقص، فتعارضا بهذه المقابلة فوجب العدول عنها إلى ما لا تعارض فيه.
وأما الشرطان المختلف فيهما في تصحيح العلل:
أحدهما: عكس العلة هل يكون معتبراً في صحتها؟ وجهان:
أحدهما: قال ابن أبي هريرة وجماعة: لا يعتبر، فإنه إذا ثبت الحكم بوجودها صحت وإن لم يرتفع بعجمها؛ لأن المقصود بها ثبات الحكم دون نفيه، وكما يصح المعنى إذا اطرد ولم ينعكس.
والثاني: أن صحة العكس معتبر فيها؛ لأن علل الشرع معتبرة بعلل العقل في الطرد والعكس، ولأن عدم التأثير في ارتفاعها يدل على عدم التأثير في وجودها، والفرق بين المعنى والعلة في اعتبار العكس ما قدمناه من الفرق.
والثاني: وقوف العلة على حكم النص وعدم تأثيرها فيما عداه كوقوف علة الربا في الذهب والفضة عليها تعليلاً بأنها أثمان.
واختلف أصحابنا في أنها هل تكون علة لثبوت الربا، فقال أبو بكر القفال: أشار إليه في أصوله ولا تكون علة؛ لأن العلة ما جذب حكم الأصل إلى فروعه، ويجعل