بقيت لها من ثلاث.
واعلم أن نقل النبي صلى الله عليه وسلم إياها من بيت أحمائها إلى بيت ابن أم مكتوم ليس بإبطال السكنى، بل فيه إثبات السكنى وإنما هو إخبار لموضع السكنى. وقد اختلفوا في سبب ذلك فقالت عائشة رضي الله عنها: كانت فاطمة في مكان وحش فخيف عليها، فرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانتقال. وقال سعيد بن المسيب: إنها انتقلت عن بيت أحمائها لطول لسانها.
وروي عن عمرو بن ميمون، عن أبيه أنه قال: قلت لسعيد بن المسيب: أين تعتد المطلقة ثلاثًا؟ قال: تعتد في بيتها. قلت: أليس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ق 85 أ أن تعتد فاطمة بنت قيس في بيت ابن أم مكتوم، قال: تلك المرأة التي فتنت الناس، إنها استطالت على أحمائها بلسانها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، وكان رجُلًا مكفوف البصر. وهو معنى قوله: {وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} الطلاق: 1.
وقال ابن عباسٍ: الفاحشة أن تبذو على أهل زوجها، فإذا بذت فقد حل إخراجها.
وقال ابن مسعود والحسن البصري: الفاحشة أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها. والأول أصح؛ لأن ظاهرة إخراج لا تُرد بعده إلى ذلك البيت، وإنما تخرج للحد ساعة من نهارٍ، ولها أن تخرج بالنهار لبعض الحوائج من غير فاحشةٍ مبينة.
وروي أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق ابنة عبد الرحمن بن الحكم البتة، فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم، فأرسلت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إلى مروان بن الحكم -وهو أمير المدينة- فقالت: اتق الله ورد المرأة إلى بيتها. فقال مروان: أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس، فقالت عائشة: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة، فقال مروان: فإن كان بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر، يعني إن كنت تزعمين أن فاطمة أخرجت من بيت زوجها مخافة الشر من البذاء فحسبك ما بين هذا الزوج المطلق وهذه الزوجة من البذاء. فثبت بالسنة.
وتفسير ابن عباس، وقصة عائشة ومروان أن المطلقة لا تخرج من منزل الطلاق إلا للبذاءة. وكره لها ابن المسيب وغيره أنها كتمت السبب الذي أمرها صلى الله عليه وسلم أن تعتد في غير بيت زوجها خوفًا أن يسمع ذلك سامع فيرى للمبتوتة أن تعتد حيث شاءت. وقد قال الشافعي: "فَلَمْ يَقُلْ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اعْتَدِّي حَيْثُ شِئْتِ، بَلْ خَصَّهَا إِذْ كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا"