أخذت منه سرًا وهو لا يعلم فهل علي في ذلك من شيء فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" فدل هذا على وجوب نفقة الزوجة والأولاد، وفي هذا الخبر فوائد:
أحدهما: ما ذكرنا.
والثاني: أنه يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها لحاجة وتستفتي العلماء فيما يعرض لها.
والثالث: أن صوتها ليس بعورة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع كلامها ث 178 أ وأجابها.
والرابع: أن للإنسان أن يذكر ما في غيره من عيب عند الحاجة فإنها قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح ولم ينكر عيبها.
والخامس: أن للحاكم أن يحكم بعلمه فإنه لم يطالبها بالبينة ومن قال: لا يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه قال: هذا ذكر على سبيل الفتوى لا على الحكم.
والسادس: أنه قضى على الغائب وعندما يجوز ذلك خلافًا لأبي حنيفة وقيل: وهو الأشبه هذا لم يكن قصًا بل كان فتوى لأنه لم ينقل أن أبا سفيان كان غائبًا عن البلد ولم يسبق الدعوى وإقامة الحجة.
والسابع: أنه يجوز لمن له حق على غيره فمنعه من أن يأخذ من ماله بغير علمه.
والثامن: انه يجوز أن يأخذ من جنس حقه ومن غيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل ذلك عليها.
والتاسع: أن النفقة لها ولولدها تنفق بالمعروف.
والعاشر: أن نفقة الولد على الأب دون الأم.
والحادي عشر: أن الأم الرشيدة قيمة ولدها.
وقد اختلف أصحابنا في هذا وظاهر المذهب أنها لا تلي ذلك من غير تولية ولكن الأصح ما ذكره الإمام الجويني صاحب المنهاج وأنا أفتي به لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هندًا بأن تأخذ من مال أبي سفيان وتنفق على صغار ولدها منه.
فإن قيل: من جعل الأم قيمًا يجعلها فيما بعد موت الأب فكيف يحتج بخبر هند وأبو سفيان، يومئذٍ حي، قيل: إذا أجاز لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأخذ عند امتناع أبي سفيان وشحة ماله وتنفق وتقوم بمصلحة الأولاد التي لا يقوم بها أبوهم ق 178 ب استنبطنا من ذلك جواز قيامها بعد وفاة الأب.
فإن قيل: إنما جاز لهند القيام بنصب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها لا بمعنى الأمومة. قلنا: الظاهر من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قصد الفتوى على ما ذكرنا. وأيضًا روي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه، قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في المبيت فدل على وجوب النفقة والكسوة لها، وفي قوله: ولا تضرب الوجه دليل على