فإن قيل: أليس قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه في المماليك: "أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون" قلنا: بلى قد قاله ابن عباس.
وقد روي هذا اللفظ مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر وتفسير هذا الكلام ما فسر الشافعي فقال: هذا الكلام بعمل يجوز أن يكون على الجواب فقيل السائل عن مماليكه، وإنما يأكل تمرًا أو شعيرًا أو يلبس صوفًا فقال: "أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون" السائلون عرب ولباس عامتهم وطعامهم خشن أي خشن، ومعاشهم ومعاش رقيقهم متقارب، فأما من خالف معاش السلف والعرب فيأكل رقيق الطعام ويلبس جيد الثياب فلو ساوى رقيقه كان أحسن، وإن لم يفعل فله ق 238 أ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقته وكسوته بالمعروف، فأما من لبس الوشي أو الخز والمروي وأكل النقي وألوان لحوم الدجاج فهذا بالمعروف للمماليك، وهذا الذي ذكره وجه الجمع بين خبر أبي ذر، وخبر أبي هريرة رضي الله عنهما.
ثم ذكر خبرًا آخر فقال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كفي أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدعه فليجلسه معه، فإن أبى فليروغ له لقمة، فيناوله إياها أو يعطيه إياها أو كلمة هذا معناها".
وروى أبو هريرة مثله، وفيه فليناوله أكلة أو أكلتين، وروي: "فإن كان الطعام قليلًا فليضع في يده أكلة أو أكلتين".
ثم تكلم الشافعي على هذا الخبر وعلى احتمالاته فقال: لما قال فليروغ له لقمة كان هذا عندنا والله أعلم على وجهين:
أولاهما: بمعناه أن إجلاسه معه أفضل، فإن لم يفعل فليس بواجب إذا قال صلى الله عليه وسلم: "وإلا فليروغ له لقمة" ولو كان إجلاسه واجبًا لم يجعل له أن يروغ له لقمة دون أن يجلسه معه، أو يكون بالخيار بين أن يناوله أو يجلسه، وقد يكون أمر اختيار غير الحتم.
وظاهر هذا الكلام في التنويع مشكل وحقيقة معناه أن الشافعي رحمه الله ذكر ثلاثة أنواع من الاحتمال:
أحدها: أن الترويغ واجب، ولو أجلسه معه كان أفضل.
والثاني: أن أحدهما واجب لا بعينه وهو قوله: أو يكون الخيار بين أيدينا وله أن يجلسه.
والثالث: أن الأمر في الإجلاس أو في الترويغ أمر اختيار غير الختم، هكذا ذكره القفال وجماعة، وقال أصحابنا بالعراق: لا خلاف أنه لا يجب واحد منهما وفي المسألة قولان:
أحدهما: وهو المذهب الإجلاس مع نفسه أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ به، ولأنه إذا أجلسه معه أكمل كفايته وكان ذلك تواضعًا من سيده.