والثالث: أن تكون أكثر من دية النفس كقطع اليدين، وجدع الأنف، ومن حكم ذلك في المسلم أنها إذا اندملت وجب فيها ديتان، وإن سرت إلى النفس وجب فيها دية واحدة؛ لأنها صارت نفسًا فلم تزد على دية النفس، فأما إذا سرت إلى النفس في حال الردة فقد اختلف أصحابنا فيها على وجهين:
أحدهما: وهو قول الأكثرين إنه يغلب حكم السراية في الدية على حكم الجناية، فلا يجب فيها أكثر من دية؛ لأنها قد صارت نفسًا فتصير الجناية مضمونة بأقل الأمرين من أرشها أو دية النفس.
والثاني: وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنها تضمن بما بلغ من أرشها وإن زاد على دية النفس أضعافًا لأمرين:
أحدهما: أن سقوط القود في النفس يجري على الجرح حكم الاندمال.
والثاني: أنه لما سقط حكم السراية إذا نقص أرش الجرح عن دية النفس سقط حكم السراية إذا زاد الأرش على دية النفس، وتصير الجناية مضمونة بمبلغ أرشها في الزيادة والنقصان ورد أصحابنا عليه هذا الاستدلال بأن حرمة نفسه لو استدام الإسلام أغلظ من حرمتها إذا ارتد، فلا يجب فيه مع استدامة إسلامه أكثر من الدية فلأن لا يجب فيها مع الردة أكثر من الدية أولى وأشبه والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله: "ولو فقأ عيني عبدٍ قيمته مائتان من الإبل، فأعتق فمات لم يكن فيه إلا ديةٌ، لأن الجناية تنقص بموته حُرًا، وكانت الدية لسيده دون ورثته. قال المُزني رحمه الله: القياس عندي أن السيد قد ملك قيمة العبد وهو عبدٌ فلا يُنقص ما وجب له بالعتق".
قال في الحاوي: وأصل هذا أن كل ما وجب في الحر منه دية وجب في العبد منه قيمة، وما وجب في الحر منه نصف الدية كان في العبد منه نصف القيمة، وما وجب في الحر منه حكومة كان في العبد ما نقص من قيمته، ويجتمع في العبد قيم كما تجتمع في الحر ديات، فإن سرت الجناية إلى النفس لم تجب فيها أكثر من قيمة في العبد، ودية في الحر. فإذا استقر هذا الأصل فصورة مسألتنا: في حر فقأ عيني عبد قيمته ديتان قدرهما الشافعي بمائتين من الإبل، وإن لم يقوم العبد بالإبل، وذلك بقدرهما بألفي دينار لأنه أشبه بالقيم فهذا على ضربين.
أحدهما: أن يبقى العبد على رقة حتى تستقر الجناية، أما بالاندمال أو بالسراية، فيجب على الجاني إن أندملت ألفا دينار، وإن سرت إلى النفس فمات ألفا دينار أيضًا،