لأن النفس تلفت بسراية جرحين ممتزجين فأوجب سقوط القود في أحدهما سقوطه في الآخر كاشتراك العامد والخاطئ، وهذا فاسد باشتراك الحر والعبد في قتل عبد، والمسلم والكافر في قتل الكافر، لا يكون سقوط القود عن الحر والمسلم موجبًا لسقوطه عن العبد والكافر لأنهما تساويا في الفضل، واختلفا في الكفارة كذلك في سراية القطع، وخالف اشتراك العامد والخاطئ لاختلافهما في الفضل.
وأما الدية فعليها دية حر لاستقرار جنايتها في حر يجب على كل واحد منهما نصفها، ولا يتحمل القاطع في الرق أقل مما يتحمله القاطع بعد العتق.
فإن قيل: فهلا اختلفا في قدر ما يتحملانه لاختلافهما في رقه وحريته؛ كما لو عبدًا في الحالتين كان على الأول نصف قيمته سليمًا، وعلى الثاني نصف قيمته مقطوعًا.
قلنا: لأن قيمة العبد تختلف بالسلامة والنقصان ودية الحر لا تختلف بالسلامة والنقصان، فلذلك تساويا في دية الحر وتفاضلا في قيمة العبد.
فإذا ثبت أن الدية عليهما نصفين فهي بين السيد والورثة، لحدوث الجناية في رق وحرية، وللسيد منها أقل الأمرين من نصف القيمة أو نصف الدية، فإن كان نصف الدية أقل الأمرين استوفي من القاطعين الدية إبلًا وأعطى السيد نصفها إبلًا، وللورثة نصفها إبلًا.
وهل يختص السيد بالنصف الذي على القاطع الأول أم لا؟ على وجهين محتملين:
أحدهما: يختص به لاختصاصه بالجناية في ملكهن فيكون النصف الذي على القاطع الأول للسيد والنصف الذي على القاطع الثاني للورثة، ولا يقع اشتراك بين السيد والورثة.
والثاني: أنهما مشتركان فيهما على القاطعين، ولا يختص واحد منهما بما على أحدهما؛ لأنهما اشتركا في قتل نفس مشتركة، ولا يجوز أن يعدل بالسيد عن نصف الدية من الإبل إلى نصف القيمة إلا عن مراضاة، وإن لم تكن من الإبل مستحقة في قيم العبيد، لأنه صار معدولًا به عن القيمة إلى الدية، وجب أن يعدل به عن جنس القيمة إلى جنس الدية وإن كان أقل الأمرين نصف القيمة وجب أن يأخذ السيد من إبل الدية نصف قيمة عبده ورقًا أو ذهبًا، فإن عدل إلى الإبل لم يجز إلا عن مراضاة؛ لأن حقه من غيرها، فإن قيل بالوجه الأول أن حقه مختص بالجاني الأول رجع عليه بنصف قيمة عبده، وقوم بها من الإبل ما قابلها، ودفع ما بقي من نصف الدية مع جميع النصف الآخر إلى الورثة، وإن قيل بالوجه الثاني إن السيد والورثة مشتركان فيما على القاطعين أخذت منهما الدية إبلًا، وكان السيد شريكًا فيها للوارث بنصف قيمة عبده، والوارث بالخيار في أن يدفع إليه نصف القيمة من ماله، ويأخذ جميع الدية، وبين أن يبيع منها بقدر نصف القيمة ويأخذ الباقي، فإن أراد الوارث أن يدفع إلى السيد بنصف القيمة إبلًا لم يلزمه إلا عن مراضاة؛ لأن حقه في غيرها، فهذا حكم الجناية إذا كانت من اثنين.