ولأن القصاص حد فأشبه في سقوطه عن الصبي والمجنون سائر الحدود. ولأن ما تعلق بحقوق الأبدان لا يجب على غير مكلف كالصلاة والصيام، فإذا سقط القصاص عنهما فعليهما الدية، لأن حقوق الأموال لا تسقط بعدم التكليف كقيم المتلفات، ولأن القصد فيها غير معتبر فلم تسقط بعدم القصد كالخاطئ.
فصل:
فإذا ثبت وجوب الدية عليهما، لم تخل جنايتهما من أن تكون على وجه الخطأ أو العمد، فإن كانت منهما على وجه الخطأ فالدية مستحقة على عواقلهما، وإن كانت على وجه العمد ففي عمدهما قولان:
أحدهما: أنه كالخطأ لعدم قصدهما فتكون الدية محققة على عواقلهما.
والثاني: أنه كعمد غيرهما، وإن سقط القصاص عنهما لعدم تكليفهما، فتجب الدية عليهما مغلظة في أموالهما حالة.
فلو بلغ الصبي بعد صغره، وأفاق المجنون بعد قتله، لم يستحق عليها القصاص فيما جناه في الصغر والجنون، فو اختلفا بعد البلوغ والإفاقة مع ولي المقتول.
فقال القاتل: قتلت قبل البلوغ فلا قود علي.
وقال الولي: قتلت بعد البلوغ فعليك القود.
فالقول قول القاتل مع يمينه، لأن الصغر صفة متحققة، والأصل: "أن جنب المؤمن حمى".
ولو قال القاتل: كنت عند القتل مجنونًا. وقال الولي: بل كنت مفيقًا، فلا يخلو حال القاتل من ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن لا يعلم له جنون متقدم فالقول قول الولي، وعلى القاتل القود؛ لأن الأصل السلامة.
والثاني: أن يعلم جنونه طبقًا مستديمًا فالقول قول القاتل، ولا قود عليه، لأنه قد صار فيه أصلًا فشابه دعوى الصغر.
والثالث: أن يعلم منه أنه كان يجن في زمان، ويفيق في زمان ففيه وجهان:
أحدهما: أن القول فيه قول القاتل مع يمينه لاحتماله.
والثاني: أن القول قول الولي مع يمينه؛ لأن السلامة أغلب.
فصل:
فأما السكران من شرب المسكر من خمر أو نبيذ، فالقود عليه إذا قتل واجب لجريان القلم عليه إلا على القول الذي خرجه المزني عن الشافعي في القديم أن ظهار السكران لا يصح، وطلاقه لا يقع، فلا يجب عليه على هذا القول إن صح تخريجه قود