وأصل هذين القولين في المدعي إذا قام شاهدًا وامتنع أن يحلف مع شاهده، وعرضت اليمين على المنكر فنكل عنها، فهل ترد على المدعي أم لا؟ على قولين:
والخامسة: أن يعفو عن الدية فلا يكون لعفوه تأثير القود ولا في الدية، لأن القود لم يعف عنه، والدية لم يستحقها مع بقاء القود، فلم يصح عفوه عنها.
والسادسة: أن يعفو عن القود فيسقط القود بعفوه عنه، وفي سقوط الدية بعفوه عنهما قولان حكاهما أبو حامد المروزي في "جامعه".
أحدهما: يصح عفوه عنها لاقترانه بالعفو عن القود.
والثاني: لا يصح العفو عنها، لأنه لم يقع في وقت الاختيار بعد القود. فعلى هذا إن اختار الدية في الحال وجبت له، فإن اختارها بعد ذلك فعلى ما مضى من القولين:
والسابعة: أن يعفو عن حقه فيسقط القود، لأنه يستحقه، ولا يسقط الدية، لأنه لم يستحقها، فإن عجل اختيارها وجبت له وإن لم يعجله فعلى القولين:
أحدهما: تجب له الدية إن اختارها.
والثاني: لا تجب له وقد سقط حقه منها بتأخير الاختيار والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله: "ولم يختلفوا في أن العقل يورث كالمال، وإذا كان هكذا فكل وارثٍ ولي زوجةً أو ابنةً لا يًخرج أحدٌ منهم من ولاية الدم".
قال في الحاوي: أما الدية فموروثة ميراث الأموال بين جميع الورثة من الرجال والنساء من ذوي الأنساب والأسباب وهو متفق عليه.
وهو معنى قول الشافعي: "لم يختلفوا في أن العقل موروثٌ" إلا حكاية شاذة عن الحسن البصري أنه لم يورث الزوج والزوجة والإخوة من الأم شيئًا من الدية وهو محجوج بالنص والإجماع.
روي سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن رجلًا قتل خطأ فقضى عمر رضي الله تعالى عنه بديته على عاقلته فجاءت امرأته تطلب ميراثها من عقل زوجها فقال عمر: لا أعلم لك شيئًا، إنما الدية للعصبة الذين يعقلون عنه، فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال: كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم فورثها عمر. وروي عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة ترث من مال زوجها وعقله ويرث هو من مالها وعقلها".