والثالث: أن يجب القود على أحدهما لو انفرد، ولا يجب على الآخر إذا انفرد، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون سقوط القود عنه لو انفرد لمعنى في نفسه، كالأب إذا شارك أجنبيا في قتل ولده، وكالحر إذا شارك عبدا في قتل عبده، وكالمسلم إذا شارك كافرا في قتل كافر، فيسقط القود عنه لمعنى في نفسه لا في فعله.
والثاني: أن يكون سقوط القود عنه لو انفرد لمعنى في فعله كالخاطئ إذا شارك عاملا في القتل أو تعمد الخطأ إذا شارك عمدا محضا فيسقط القود عنه لمعنى في فعله لا في نفسه، فاختلف الفقهاء في شريك من سقط عنه القود بأحد هذين الضربين، هل توجب الشركة سقوط القد عنه بسقوطها عن شريكه أم لا؟ على ثلاثة مذاهب:
أحدهما: وهو مذهب مالك، أنه لا يسقط القود عنه بسقوطه عن شريكه، سواء كان سقوط القود عنه لمعنى في نفسه كالأب إذا شارك أجنبيا، أو لمعنى في فعله كالخاطئ إذا شارك عامدا.
والثاني: وهو مذهب أبي حنيفة أنه يسقط القود عنه لسقوطه عن شريكه، سواء سقط القود عنه لمعنى في نفسه كالأب إذا شارك أجنبيا أو لمعنى في فعله كالخاطئ إذا شارك عامدا.
والثالث: وهو مذهب الشافعي أنه إذا شارك من سقط القود عنه لمعنى في نفسه كالأب إذا شارك أجنبيا لم يسقط القود عن الأجنبي، وإن شارك من سقط عنه القود لمعنى في فعله كالخاطئ إذا شارك عامدا لم يجب القود على العامد، فصار الخلاف مع مالك في شريك الخاطئ، عنده يقتل، وعند الشافعي لا يقتل، ومع أبي حنيفة في شريك الأب عند أبي حنيفة لا يقتل، وعند الشافعي يقتل.
فأما مالك فاستدل على أن شريك الخاطئ يقتل، بأن كل من وجب عليه القود إذا انفرد وجب عليه القود إذا شارك فمن ليس عليه قود، كشريك الأب، ولأنه لو جاز أن يتعدى حكم الخاطئ إلى العامد في سقوط القود لجاز أن يتعدى حكم العامد إلى الخاطئ في وجوب القود، ولأنه لما لم يتغير حكم الدية بمشاركة الخاطئ لم يتغير بها حكم القود.
والدليل على أن شريك الخاطئ لا يقتل قول النبي صلي الله عليه وسلم: " ألا إن في قتيل العمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل مغلظة" وهذا القتيل قد اجتمع فيه عمد وخطأ، فوجب أن يستحق فيه الدية دون القود، ولأنها نفس خرجت بعدم أو خطأ، فوجب أن يسقط فيها القود، كما لو جرحه الواحد عمدا أو جرحه خطأ؟ ولأنه إذا اجتمع في النفس موجب ومسقط يغلب حكم المسقط على حكم الموجب، كالحر إذا قتل من نصفه مملوك ونصفه حر، ولأن سقوط القود في الخطأ يجري في حق القاتل مجرى عفو بعد الأولياء وسقوطه عن الأب يجري مجرى العفو عن أحد القاتلين، وعفو بعض الأولياء يوجب