من سبابة آخر فلا قصاص لصاحب الوسطى، سواء اقتص صاحب العليا أو لم يقتص، لأنه لم يستحق القصاص في الحال فلم تستحقه في ثاني حال كالعبد إذا أعتق، وكما لو قطع إصبعا شلاء ثم شلت إصبع القاطع بعد الجناية لم يقتص منها، وحكي ابن أبي هريرة في السليمة إذا شلت وجها ثانيًا أنه يقتص منها ولا وجه له اعتبارًا بما ذكرنا، ولو قطعهما من رجلين في حالةً واحدةً وجب لصاحب الوسطى القصاص إذا استوفاه صاحب العليا، ويصير كما لو تقدم بقطع العليا ثم الوسطى، لأن القصاص مستحق بعد القطع والعليا بعده مستحقة القطع.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: ((ولا أقيد بيمنى يسرى ولا بيسرى يمنى)).
قال في الحاوي: والمماثلة في القصاص معتبرة في الجنس والنوع، فالجنس أن تؤخذ اليد باليد، ولا تؤخذ يد برجل، والنوع أن تؤخذ يمنى بيمنى، ولا تؤخذ يمنى بيسرى، فإذا قطع يده اليمنى وكان للقاطع يد يمنى أخذناها قودًا، وإن لم يكن له يمنى سقط القصاص إلى الدية ولم يؤخذ بها اليسرى لعدم المماثلة وهو قول الجمهور.
وقال شريك بن عبد الله: أقطع اليمنى باليمنى ولا أعدل عنها إلى اليسرى، فإن عدمت اليمنى قطعت اليسرى بها، لاشتراكهما في الأيسر وتماثلهما في الخلقة وتقاربهما في المنفعة وهذا خطأ، لقول الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} النحل: 126 ولأن ما تميز محله وتفرد بنوعه لم يكن الاشتراك في الاسم العام موجبًا للقصاص كالإصبع لا تؤخذ السبابة بالوسطى وإن اشتركا في الاسم لاختلافهما في المحل، ولأنه لو جاز أخذ اليسرى باليمنى عند عمدها لجاز أن تؤخذ بها مع وجودها وذلك غير جائز مع الوجود فكذلك مع العدم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: ((ولو قلع سنه أو قطع أذنه ثم إن المقطوع ذلك منه ألصقه بدمه وسأل القود فله ذلك لأنه وجب له بإبانته، وكذلك الجاني لا يقطع ثانية إذا أقيد منه مرة إلا بأن يقطع لأنها ميتة)).
قال الماوردي: وهذه المسألة يشتمل في القاطع والمقطوع على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يقطع أذنه فيبينها ثم إن المقطوع أذنه ألصقها بدمها فالتحمت مندملة ثم سأل القصاص من القاطع اقتص له منه لوجوب القصاص بالإبانة، فإن سأل المقتص منه أن تزال أذن المقتص له.
قيل: لا حق لك في إزالتها وإنما تزال في حق الله تعالى، لأنها بعد الإبانةً ميتةً