الاندمال أن المقطوع مات موجئا بذبح أو سم أو خنق صار مع كل واحد منهما ظاهر يوجب العمل عليه، فيكون على وجهين:
أحدهما: أن يكون القول قول الولي مع يمينه وهو الأظهر من مذهب الشافعي، لأنه قد استحق في الظاهر بابتداء الجناية ديتين وما ادعاه من حدوث التوجية محتمل.
والثاني: أن القول قول الجاني مع يمينه، لأن الظاهر موته من الجناية وما ادعاه الولي من حدوث التوجية غير معلوم فلم يقبل منه، فعلى هذا لو اختلفا في اتساع الزمان وضيقه فقال الولي: اتسع الزمان للاندمال فالقول قولي في استحقاق الديتين، وقال الجاني: ضاق الزمان عن الاندمال فالقول قولي في أن لا تلزمني إلا ديةً واحدةً، فالقول قول الجاني مع يمينه دون الولي، ولا يلزمه إلا ديةً واحدةً لأمرين:
أحدهما: أن الأصل قرب الزمان حتى يعلم بعده.
والثاني: أن الأصل بقاء الجناية حتى يعلم اندمالها.
والخامسة: أن يختلفا فيدعي الولي أنه مات من الجناية قطع يده ورجله ومات المقطوع فاستحق القصاص في النفس، ويدعي الجاني أنه مات من غير الجناية قطع يده ورجله ومات المقطوع فلا قود عليه في النفس، فإن ضاق الزمان عن الاندمال فالقول قول الولي مع يمينه، لأن الظاهر معه، فإن اتسع الزمان للاندمال فالقول قول الجاني مع يمينه، لأن الأصل أن لا قصاص عليه في النفس.
فصل:
فلو كانت المسألة بضد المسطور وكانت الجناية موضحة توجب خمسا من الإبل ومات المجني عليه واختلف الولي والجاني، فقال الولي: مات من جنايتك فعليك دية النفس أو القصاص فيها، وقال الجاني: بل مات من غير جنايتي فليس علي إلا ديةً الموضحةً، فإن ضاق الزمان عن الاندمال فالقول قول الولي مع يمينه وله القصاص في النفس أو الدية كاملةً، لأن الظاهر معه، وإن اتسع الزمان للاندمال فالقول قول الجاني، لأن الظاهر معه في أن لم يجب بالجنايةً إلا دية موضحةً وأن النفس لا قصاص فيها، فصار الجواب بضد ما تقدم، لأنها بضده والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: ((ويحضر الإمام القصاص عدلين عاقلين حتى لا يقاد إلا بحديدةً حادةً مسقاةً ويتفقد حديده لئلا يسم فيقتل من حيث قطع بأيسر ما يكون به القطع)).
قال في الحاوي: وإنما اختار الشافعي أن يحضر القصاص عدلين شاهدين ليشهدا باستيفائه إن استوفي، وبالتعدي فيه إن تعدي، فإن قيل: فما معنى قول الشافعي: عدلين