لما كانت أجرة متعد المال على مستوفيه دون موفيه كذلك القصاص، ولأن العامل في الصدقات مستوف من أرباب الأموال لأهل السهمان، ثم كانت أجرته في مال أهل السهمان المستوفي لهم دون أرباب الأموال المستوفي منهم وجب أن تكون أجرة المقتص في مال المستوفي له دون المستوفي منه.
ودليلنا هو أن القصاص استيفاء حق فوجب أن تكون أجرته على الموفي دون المستوفي كأجرة الكيال والوزان، ولأنه قطع مستحق فوجب أن تكون أجرته على المقطوع منه كالختان وحلق شعر المحرم.
فإن قيل: فالختان وحلق شعر المحرم حق للمقطوع منه فلذلك وجب عليه أجرته والقصاص حق للمقطوع له دون المقطوع منه فكان المقطوع له أولى بالتزام أجرته من المقطوع منه.
قلنا: هما سواء، لأن الختان وحلق شعر حق على المقطوع منه كما أن القصاص حق على المقطوع منه، غير أن الحق في الختان والحلق لله تعالى وفي القصاص للولي فكا التزم حق الله التزم حق الآدمي.
فأما الجواب عن استدلاله بأجرة الجذاذ والنقل فهو أن ذلك تصرف فيما قد استقر ملكه عليه فاختص بمؤنة تصرفه فيه، وكذلك أجرة منتقد الثمن، وليس كذلك القصاص، لأنه إيفاء للحق ومؤونة الإبقاء مستحقة على الموفي كما قال تعالى:} فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ {يوسف: 88. ثم ثبت أن أجرة الكيال على الموفي دون المستوفي، كذلك في القصاص، وأما عامل الصدقات فهو نائب عن أهل السهمان في الإستيفاء لهم، وليس بنائب عن أرباب الأموال في الإبقاء عنهم، فكانت أجرته واجبة على من ناب عنه كأجرة الوكيل، وخالف المقتص؛ لأنه يقوم بالإبقاء دون الاستيفاء، فصار بالكيال والوزان أشبه.
فصل:
فإذا ثبت ما ذكرنا أن أجرة القصاص على المقتص منه دون المقتص له فقال المقتص منه: أنا أقتص لك من نفسي لتسقط عني أجرة القصاص لم يكن ذلك له لأمرين:
أحدهما: أن موجب المماثلة في القصاص يقتضي أن يؤخذ منه ما أخذه من غيره، ولا يكون هو الأخذ لهما معا.
والثاني: أنه حق عليه فلم يجز أن يكون هو المستوفي له كما لو أراد بائع الصبرة أن يكيلها بنفسه لم يكن له ذلك، فلو قال السارق وقد وجب قطع يده أنا أقطع يد نفسي ولا ألتزم أجرة قاطعي ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز القصاص.
والثاني: يجوز، لأن قطع السرقة حق لله يقصد به النكال والزجر فجاز أن يقوم بحق