شرح (المذهب) في هذه المسائل الثلاث التي احتج بها المزني ما يزول به احتجاج وهمه وبالله التوفيق.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله: ((ولو جني عبد على حر فابتاعه بأرش الجرح فهو عفو ولم يجز البيع إلا أن يعلما أرش الجرح، لأن الأثمان لا تجوز معلومة، فإن أصاب به عيبا رده وكان له في عنقه أرش جنايته)).
قال في الحاوي: وصورتها: في عبد جني على حرجناية عمد فالتمس المجني عليه أن يبتاعه من سيده، فالسيد بالخيار بين بيعه عليه أو منعه منه، سواء أراد السيد أن يفديه من جنايته أو أن يبيعه فيها، لأن البيع عقد مراضاة لا يلزم إلا بالاختيار، فإن أجاب سيده إلى بيعه على المجني عليه، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن بيعه عليه بثمن في الذمة.
والثاني: أن بيعه بأرش الجناية، فإن كان البيع بثمن في الذمة لم يكن الابتياع عفوا عن القود لاستحقاقه على العبد لو كان في ملك المجني عليه، ولم يسقط بانتقاله إليه، وإذا كان كذلك لم يخل بالقصاص من أن بكون مستحقا في طرف أو نفس، فإن كان مستحقا في طرف فالبيع جائز، وللمجني عليه أن يقتص من أطرافه إذا صار في ملكه كما كان له أن يقتص منه في ملك بائعه، ولا خيار له في نقصه بهذا القصاص، لعلمه باستحقاقه، وإن كان القصاص في نفسه لم يمنع ذلك من جواز بيعه لتردد حاله بين عفو واقتصاص، كالمريض المدمن يجوز بيعه مع خوف موته لتردد حاله بين برء وعطب، وإذا كان البيع جائزا فولى المجني عليه بعد ابتياعه على حقه من القصاص، وهو فيه بالخيار، فإن عفا عنه استقر البيع فيه، وكان له مطالبة بائعة بالدية إن كانت بقدر ثمنه فما دونه، وإن كانت أكثر منه فعلى قولين:
أحدهما: يطالبه بجميعها.
والثاني: ليس له إلا قدر ثمنه، وسيده البائع مخير بين دفع الثمن الذي قبضه بعينه وبين أن يدفع إليه غيره، ويكون الباقي من الدية بعد ثمنه هدرا، وإن اقتص منه ولي المجني عليه المشتري له فقد اختلف أصحابنا في الاقتصاص منه هل يجري مجرى مستهلكه بالغصب أو مجرى موته بالمرض؟ على وجهين:
أحدهما وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه يجري مجرى استحقاقه بالغصب، فيعلى هذا يكون لولي المجني عليه أن يرجع على البائع بثمنه مع علمه بحاله، لأن من اشترى عبدا من غاصبه مع علمه بغصبه كان له الرجوع بثمنه.