الخطأ لعدم قصده للقتل فسمي عمد الخطأ لوجود صفة العمد في الفعل وصفة الخطأ في عدم القصد، فصار العمد ما كان عامداً في فعله وقصده، والخطأ ما كان مخطئاً في فعله وقصده، وعمد الخطأ ما كان عامداً في فعله خاطئاً في قصده، ووافق أبو حنيفة على عمد الخطأ، وخالف فيه مالك، وقال: لا أعرف عمد الخطأ وليس القتل إلا عمداً أو خطأ، وليس بينهما ثالثة، كما قال: لا أعرف الخنثى وما هو إلا ذكر أو أنثى استدلالاً باستحالة اجتماع الضدين في حالة؛ لأن الخطأ ضد العمد فاستحال أن يجتمعا، كما استحال أن يكون قائماً قاعداً، ومتحركاً ساكناً، ونائماً مستيقظاً، قال: ولذلك ذكر الله تعالى في كتابه حكم العمد المحض وحكم الخطأ المحض، ولم يذكر حكم عمد الخطأ لاستحالته، ودليلنا السنة المعمول بها، ثم الإجماع المنعقد بعدها، ثم الاعتبار الموجب لمقتضاها.
فأما السنة فما قدمه المزني ورواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل مغلظة، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها "فدل على مالك من ثلاثة أوجه:
أحدها: وصفه بالعمد الخطأ، ومالك ينكرها.
والثاني: إيجاب الدية فيه، ومالك يوجب القود.
والثالث: أنه قدر الدية بمائة من الإبل، ومالك يوجب ما تراضيا به كالأثمان. فإن قيل: فهذا الحديث لا يصح الاحتجاج به من وجهين:
أحدهما: أن علي بن زيد بن جدعان ضعيف لا يؤخذ بحديثه.
والثاني: أن القاسم بن ربيعة لم يلق ابن عمر فكان الحديث منقطعاً.
قيل: أما الوجه الأول في ضعف علي بن زيد فغير مسلم بل هو ثقة قد نقل عنه سفيان وغيره.
وأما الوجه الثاني: في انقطاعه فليس يمتنع أن يكون القاسم بن ربيعة قد لقي ابن عمر، وعلى أنه قد روى من طريق أبي داود، عن القاسم بن ربيعة، عن عقبة بن أوس فصار من هذا الوجه متصلاً، ويحتمل أن يكون قد رواه عن ابن عمر تارة، وعن عقبة بن أوس أخرى وأما الإجماع فهو مروي عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهم أنهم اتفقوا على عمد الخطأ، وإن اختلفوا في بعض أحكامه ولم يعرف لهم من الصحابة مخالف فصار إجماعاً، وأما الاعتبار: فهو أن العمد المحض لما جمع صفتين من اعتماد الفعل وقصد النفس وسلب الخطأ المحض الصفتين وهو قصد النفس أن يجري عليه حكم العمد من وجه. وهو تغليظ الدية لاعتماد الفعل وحكم الخطأ من وجه وهو سقوط القود؛ لأنه خاطئ في النفس، فصار من هذا الوجه عمد الخطأ ولا يكون ذلك جمعاً بين ضدين ممتنعين؛ لأنه ليس يجمع بينهما في حكم واحد فيمتنعان.