هذا لو قرأ آية السجدة في سجود القرآن، هل يسجد لهذه القراءة؟ وجهان، لأنها غير مشروعة، فإذا قلنا: يسجد لم ينب هذا السجود عنها قولاً واحداً. ولكن إذا قلنا: يشرع فيه السلام، هل يسجد لهذه القراءة قبل السلام؟ فيكون فاعلاً لهذا السجود في نفس هذه الصلاة، أم يسجد بعد الفراغ منها؟. الأظهر لي أنه يسجد بعد الفراغ، ولو فعله فيها تبطل الصلاة، ويحتمل خلاف هذا.
مسألة: قال: "ويصلي في الكعبة الفريضة والنافلة وعلى طهرها".
الفصل
وهذا كما قال: جملة هذا أن صلاة الفريضة والنافلة يجوز فعلها داخل الكعبة. وبه قال أبو حنيفة وجماعة. وقال مالك: "يجوز أن يصلي فيها النافلة دون الفريضة والوتر". وبه قال أحمد واسحق. وقال ابن جرير: لا يجوز فعل الفريضة فيها، ولا النافلة. 142 ب / 2
وروي هذا عن ابن عمر، واحتجوا بقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} البقرة: 144، أي: نحوه، وإذا كان فيها لم يول وجهه نحو جميعها، ولأنه مستدبر لبعضها، فلا يجوز كما لو صلى خارجها مستدبراً، وهذا غلط لقوله تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} البقرة: 125، ولم يفصل، فإن قيل: الطواف لا يجوز فيها، فكذلك الصلاة. قلنا: الطواف بكلها لا يحصل بطوافه فيها والصلاة لا تجب إلى كلها بل يتوجه إلى جهة منها، وقد وجا ذلك فيجوز، وأما إذا كان خارج الكعبة، واستدبر فلأنه، لم يستقبل شيئاً منها، فلا يجوز ههنا بخلافه، واحتج ابن جرير بما روي "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت، ولم يصل".
قلنا: روي عن بلال رضي الله عنه أنه قال: "دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت فصلى ركعتين". قال ابن عمر: فقلت لبلال: أين صلى؟ فقال: نزل عموداً عن يمينه وعموداً عن شماله، وثلاثة أعمدة من ورائه. وكان البيت إذ ذاك على ستة أعمدة، وما رويناه أولى، لأنه زائد، ويحتج على مالك بأن كل جهة جاز أداء النفل إليها مع الأمن والقدرة جاز أداء الفريضة إليها كما لو كان خارجاً.
قال: وإنما جازت النافلة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها فيها، ولأن أمر الاستقبال في النوافل أخف، فإنها تجوز في السفر إلى غير القبلة، قلنا: لما صلى فيها النفل صار دليلا على جواز الفرض والتخفيف في النوافل عند الضرورة والاحتياج، ولا حاجة ههنا إلى الفرق بين الفرض والنفل، فإذا تقرر هذا، قال بعض أصحابنا الفرادى فيها أفضل من الفرادى في غيرها. والجماعة فيها أفضل من الجماعة في غيرها، والجماعة في غيرها أفضل من الفرادى فيها.
وقال بعضهم: إذا كانت صلاة نافلة لم تسئ لها الجماعة أو فائتة لا يرجو لها