أحدهما: فيه الدية كاملة، لأن الحواس تختلف بالقوة والضعف كالأعضاء التي لا تختلف الجية باختلاف قوتها وضعفها.
والوجه الثاني: أن الموجود كان فيه بعض الشم فلم يلزم في إذهابه إلا بعض الدية، بخلاف ضعف الأعضاء الذي يوجد جنس المنافع فيها. فعلى هذا إن علم قدر ما كان ذاهبًا من شمه ففيه من الدية بقسطه، وإن لم يعلم ففيه حكومة يجتهد الحاكم فيها رأيه.
فصل:
لو جدع أنفه فذهب منه شمه لزمه ديتان: إحداهما: في جدع الأنف، والأخرى: في ذهاب الشم، لاختلافهما في المحل كالأذنين والسمع، وخالف ذهاب البصر مع العينين، وذهاب الكلام مع اللسان، لاجتماعهما في المحل.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وفي الشفتين الدية إذا استوعبتا وفي كل واحدة منهما نصف الدية".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، لرواية عمرو بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في كتابه إلى اليمن: "وفي الشفتين الدية"، وهو قول أبي بكر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم- ولأنهما عضوان من أصل الخلقة فيهما منفعة وجمال، يألم بقطعهما ويخاف من سرايتهما فأشبها اليدين والرجلين، وسواء في ذلك الغليظتان والدقيقتان، والطويلتان والقصيرتان، من ناطق أو أخرس، ذي أسنان وغير أسنان، وفي إحدى الشفتين نصف الدية، ولا فضل للعليا على السفلى، وحكي عن زيد بن ثابت أن في السفلى ثلثي الدية، وفي العليا ثلثها؛ لأن السفلى أنفع من العليا، لحركتها ودورانها، وحفظ الطعام والشراب بها، وما فيها من حروف الكلام الشفوية، وهذا يفسد من وجهين:
أحدهما: أن لكل واحدة منهما منفعة ليست للأخرى فصارتا متساويتين.
والثاني: لأن تفاضل المنافع في الأعضاء المتجانسة لا يوجب تفاضلها في الديات كالأصابع والأسنان، فإن قطع النصف في إحدى الشفتين كان عليه ربع الدية، وإن قطع أكثر أو أقل كان عليه من الدية بحسب ما قطع.
فصل:
ولو جني عليهما فاستحشفتا ويبستا حتى لم يتحركا ولم يألما فعليه الدية كاملة قولًا