فصار كالعين القائمة, فاقتضى لهذا التعليل أن تجب في قطعه حكومة كما يجب في العين القائمة, وهذا القول على الإطلاق ليس بصحيح عندي؛ لأن مقصود اللسان أفعال:
أحدهما: الكلام, والثاني: الذوق, ويقترن بهما ثالث يكون اللسان عونًا فيه وهو إدارة الطعام به في الفم للمضغ, فإن كان ذوق الأخرس بعد قطع لسانه باقيًا ففيه حكومة كما أطلقه الشافعي, ولأنه ما سلبه القطع أحد النفعين المقصودين, وإنما سلبه أقل منافعه وهو إدارة الطعام به في فمه, وإن ذهب ذوق الأخرس بقطع لسانه ففيه الدية كاملة, لما قدمناه من وجوب الدية في ذهاب الذوق, ولأنه أحد الحواس كالشم بل هو أنفع, فيكون الإطلاق محمولًا على هذا التفصيل والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وذكر الأشل فيكون منبسطًا لا ينقبض أو منقبضًا لا ينبسط".
قال في الحاوي: أما الذكر السليم من شلل ففيه الدية تامة, لرواية عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتابه إلى اليمن: "وفي الذكر الدية".
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في الأداف الدية, قال قطرب: الأداف الذكر ولأنه من آلة التناسل وذلك من أعظم المنافع ولأنه أحد منافذ الجسد فأشبه الأنف, ولا فرق بين ذكر الصبي والرجل والشيخ الهرم والعينين الذي لا يأتي الناس؛ لأنه العنة عيب في غير الذكر؛ لأن الشهوة في القلب والمني في الصلب, فإن كانت العنة من قلة الشهوة فمحلها في القلب, وإن كانت من قلة الماء فمحله في الصلب, والذكر ليس بمحل لواحد منهما فكان سليمًا من العنين كسلامته من غير العنين, وكانت الدية في قطعه منهما على سواء, فإن قطع حشفة الذكر حتى استوعبها مع بقاء القضيب ففيها الدية, لأن نفع الذكر بحشفة كما تكمل دية الكف بقطع الأصابع, فإن قطع بعض الحشفة كان عليه من الدية بقسطها, وهل يتقسط على الحشفة وحدها أم على جميع الذكر؟ على قولين:
أحدهما: تتقسط على الحشفة, لأن الدية تكمل بقطعها, فتقسط عليها أبعاضها, فيلزمه في نصف الحشفة نصف الدية, وإن كان أقل من نصف الذكر.
والقول الثاني: أنه تتقسط دية المقطوع من الحشفة على جميع الذكر؛ لأنه الأصل المقصود بكمال الدية فكانت أبعاضه مقسطة عليه, فعلى هذا إن كان المقطوع من نصف الحشفة هو سدس الذكر لزمه سدس الدية, وكذلك حكم الحلمة من الثدي إذا قطع بعضها كان على هذين القولين.