أن بيع الثمر لما صح بعد خلقها لم يجز بيعها قبل خلقها، ومنافع الدار المستأجرة لما لم تصح المعاوضة عليها بعد حدوثها صح قبل حدوثها، كذلك ما ذكرناه من الضمان.
فأما إذا قال له وقد أمنوا الغرق: ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه فألقاه ففي لزوم هذا الضمان وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي حامد الإسفراييني: لا يلزمه لعدم الضرورة وارتفاع الأغراض الصحيحة.
والوجه الثاني: يلزمه ضمان بشرط الضمان عند الاستهلاك والأول أشبه والثاني أقيس.
فأما أخذ الرهن من هذا الضمان فلا يصح لأمرين:
أحدهما: لعقده قبل وجوب الحق.
والثاني: للجهل بمقدار القيمة وأجازه بعض أصحابنا كالضمان وليس بصحيح، لأن حكم الضمان أوسع من حكم الرهان، لأن ضمان الدرك يجوز أخذ الرهان عليه.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: ((ولو قال لصاحبه ألقه على أن أضمنه أنا وركبان السفينة ضمنه دونهم إلا أن يتطوعوا. قال المزني: هذا عندي غلط غير مشكل وقياس معناه أن يكون عليه بحصته فلا يلزمه ما لم يضمن ولا يضمن أصحابه ما أراد أن يضمنهم إياه)).
قال في الحاوي: وصورتها أن يلقي متاعه في البحر بشرط الضمان، فلا يخلو أن يضمنه جميعهم أو أحدهم، فإن ضمنوه جميعا فعلى ضربين:
أحدهما: أن يشتركوا فيه فيقولوا: ألقه وعلينا ضمانه، فيكون الضمان مقسطا بين جميعهم على أعدادهم، فإن كانوا عشرة ضمن كل واحد منهم عشر قيمته.
والضرب الثاني: أن ينفردوا فيه فيقولوا: ألقه وعلى كل واحد منا ضمانه، فيلزم كل واحد منهم ضمان جميع قيمته، وإن ضمنه أحدهم لم يخل من أن يضمنه عن نفسه أو عن جماعتهم، فإن ضمنه عن نفسه اختص بضمانه وغرمه، وإن عاد نفعه على جميعهم، وإن ضمنه عنه وعنهم لم يخل أن يكون بأمرهم أو غير أمرهم، فإن كان بأمرهم كان ضمانه عنه وعنهم لازما لجميعهم، وإن كان على وجه الاشتراك كان متقسطا على أعدادهم، وإن كان على وجه الإنفراد لزم جميع الضمان لكل واحد منهم، وإن ضمن عنه وعنهم بغير أمرهم لم يلزمهم ضمانه عنهم، لأن الضمان لا يلزم إلا بقول أو فعل ولم يوجد منهم أحدهما، وأما الضامن فيلزمه ضمان نفسه، وقدر ما يلزمه