اختصاص العاقلة بالاسم موجب لاختصاصهم بالحكم، وفقد الحكم يوجبه زوال الاسم، ولأن العقل في كلامهم المنع، وقد كانت العرب في الجاهلية يمنعون عن القاتل بأسيافهم فلما منعهم الإسلام من السيف عوض منه منعهم منه بأموالهم؛ ولذلك انطلق اسم العاقلة عليهم، ولأن النفوس مغلظة على الأموال، وقتل الخطأ يكثر بين الناس وفي إيجاب الدية على القاتل في ماله أحد أمرين إما استئصال ماله إن كان واحدًا وقل أن يتسع لتحمل الدية مال الواحد، وإما إهدار الدم إن كان معدمًا، وفي تحمل العاقلة عنه مواساة تفضي إلى حفظ الدماء واستبقاء الأحوال، وهذا أدعى إلى المصلحة وأبعث على التعاطف، ولأنه لما تحمل بالنسب بعض حقوق الله تعالى في الأموال وهو زكاة الفطر جاز أن يتحمل بعض حقوق الآدميين في الأموال وهو ديات الخطأ، فأما الجواب عن الآية فحقيقة الوزر الإثم، وهو لا يتحمل، وكذلك ظاهر الآيتين محمول على أحد أمرين: إما المأثم وإما أحكام عمده.
وأما قوله في الخبرين أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه فعنه جوابان:
أحدهما: أن الأبناء والآباء لا يتحملون العقل وإنما يتحمله من عداهم من العصبات.
والثاني: أنه يحمل على العمد الذي لا يتحمل عن القاتل ولا يؤاخذ به غيره، وكذلك الجواب عن قوله: "لا يؤخذ الأب بجريرة ابنه ولا الابن بجريرة أبيه".
وأما جمعهم بين الأموال والنفوس فغير صحيح، لتغليظ النفوس على الأموال، ولذلك دخلت القسامة في النفوس ولم تدخل في الأموال.
وأما العمد فلأنه عن معصية يستحق فيها القود، والعاصي لا يعان ولا يواسي، والقود لا يدخله تحمل ولا نيابة.
وأما الكفارة فمن حقوق الله تعالى التي يتعلق بالمال تارة والصيام تارة، ولا يصح فيها عفو فلم يدخلها مواساة، وخالفتها الدية في هذه الأحكام مخالفتها في التحمل والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولا اختلاف بين أحدٍ علمته في أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها في ثلاث سنين".
قال في الحاوي: ذهب قوم إلى أن العاقلة تتحمل الدية حالة يؤدونها معجلة كديات العمد وقيم المتلفات.
وحكي عن ربيعة بن أبي ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنها مؤجلة في خمس سنين،